محمد عفري
لا تحتاج “الحالة” إلى رأي أو موقف. “علامة الدار على باب الدار..” كما يقال. الأزمة محدقة بالعباد والأفق ضبابي. نهاية “الموسم الدراسي” وما تتطلبه من “روتوشات” تثقل الكاهل، إلى حد فصل الرقبة عن الجسد، والاستعداد لعطلة صيفية (لا بد منها) يشغل البال، و”الكادح” والهش، هشاشة الطين، متخبط، والتفكير منصب على “العيد”، عيد الأضحى، أو “العيد الكبير” (اسما ومعنى)، وغلاء المعيش اليومي لهيب في لهيب، أما سعر الأضاحي، فبارتفاع سعر الأعلاف وقحط الموسم الفلاحي، وجشع “الشّنّاق” فالسؤال عنه “ملغوم” ومقداره معلوم، أي نار في نار، و”لمّن تعاود زابورك يا داوود”، مادام الكل “ناشط” على إيقاعات “لالّة العروسة” وكرة القدم وبطولتها، و”زيد وزيد” من تفاهات “التخدير”..
الغلاء في المغرب لا يكتوي به إلا صغار القوم، العاطلون والمعوزون والمياومون والحرفيون والمستخدمون وصغار الموظفين و”الخدماتيون”، والأزمة لا يتحسسها إلا هؤلاء، أما عِلِّية القوم، الوزراء والبرلمانيون والمنتخبون والمسؤولون، في مناصب القرار، مرتاحون، على أزرار الزيادة في الأسعار يضغطون وبالرفع في الضرائب يأمرون، وكأنهم لا في الأسواق يمشون ولا بحال البلاد والعباد هم مطلعون. مجرد جولة في سوق يومي أو أسبوعي أو “التنصّت” إلى آهة متبضع من حرّ الغلاء، تكفي في العلم بأن “المُوس وصَلْ للعظم” وأن الفتنة نائمة ولعن الله من أيقظها، أو ينوي إيقاظها في هذا البلد الآمن، وما أفظع من يقظة الجوع والحاجة. أما إطلالة على يافطة السعر اليومي للمحروقات بمحطات التزود، فذلك عنوان بارز على أن مدبري شأننا العام في وادٍ، ونحن الفقراء إلى الله (دافعو مختلف الضرائب) في وادٍ آخر.
عن المحروقات وأسعارها بالمغرب، كونها فتنةً نائمة، تعالوا أنبئكم بخبر أقبل عنا، نهاية الأسبوع من الولايات المتحدة الأمريكية، كان من وارد المنطق والحكمة أن “يدغدغ” مشاعر عزيز أخنوش، رئيس الحكومة ورئيس تجمع “المصالح الكبرى” قبل أن يزعجه ليضرب ألف حساب لفتنة نائمة قد “يوقد” شرارتها سوءُ تدبيره لقطاع المحروقات.
مفاد الخبر أن الأمريكيين بقدر جلالهم بسلّمهم الاجتماعي المحترم المبني على حد أدنى للأجور (سميک) لا يضاهيه حدٌّ في العالم، عبروا عن غضبهم الساخط، بعد الارتفاع المهول في سعر الغازوال، إذ وصل “الغالون الأمريكي” ( قرابة 4 لترات) إلى خمسة دولارات، وهو السعر الأقصى في تاريخ الأسعار الطاقية وسببه الحرب الأوكرانية وتأثيراتها، وبالتالي فإن سعر اللتر هو حوالي دولار واحد وربع الدولار، يعني أقل من 13 درهما، ومع ذلك أثارت هذه الزيادة “الطفيفة” غضب الأمريكيين ووضعت حكومة بايدن في إحراج كبير، إذ اصبحت مضطرة إلى خيار واحد ووحيد هو التراجع عن الزيادة في “غالون” الغازوال.
مقابل ذلك، سعر المحروقات في المغرب يستمر في ارتفاع مهول ودون حدود وبلا معايير مضبوطة، بل إن دراسات، قيل إنها ميدانية وواقعية، تم إجراؤها حديثا من أجل “جسّ نبض” المغاربة تتحدث عن إمكانية بلوغ السعر بالمغرب إلى 25 درهما للتر الواحد من الغازوال. توقُّع معناه أمران اثنان، هو أن الحكومة، أولا داخلة على شر، أي “ناوية” على الزيادة والزيادة ثم الزيادة في سعر المحروقات إلى إشعار آخر، وأن التجمع الذي يقوده أخنوش ثانيا مستمر في جني الأرباح في ظل ما يجد له من تبريرات، تدخل في تداعيات كورونا وفي ظل أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا تفكير له في الحد من ذلك، علما أن الأرجنتين، على سبيل المثال تم فيها فرض ضرائب على الشركات التي ارتفعت أرباحها أثناء الأزمة الأوكرانية.
للأسف، إن سعر “المازوت” في المغرب على عهد أخنوش، أغلى من سعره في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر أغنى الدول في العالم، ويصل فيها الحد الأدنى للأجور، “السميكَ” إلى ألف و300 دولار، أي حوالي 13 ألف درهم مغربية، “بينما السميكَ” في المغرب لا يتجاوز 2800 درهم.
المنطق يفرض أن يكون ما يحصل عليه المواطن من أجر، هو أن يوازي المصاريف التي تخرج من جيبه كل شهر، وبالتالي إذا كان المواطن الأمريكي غاضبا من وصول الغازوال إلى 13 درهما فإن المواطن المغربي ينبغي ألا يشتريه بهذه الأسعار الحالية، التي توجد في حال ارتفاع مستمر. لكن بما أن أخنوش يعي جيدا أن المغاربة متشبثون بالحياة، رغم غلاء العيش، الذي يفرضه عليهم من أجل اغتنائه الفاحش، بصفته أكبر المستثمرين في قطاع المحروقات، فإنه يفعل ما يشاء، وفي نفس الوقت يلعب بالنار، بمعنى أنه مصر على إيقاظ الفتنة والفتنة أشد من القتل..
الفتنة نائمة ..الأزمة محدقة بالعباد والأفق ضبابي
