Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الفرنكفونية الوجهُ الآخر البغيض لِفرنسا الاستعمارية

محمد فارس
[فرنسا] انتهت كقوة سياسية؛ انتهت كقوة اقتصادية؛ انتهت كقوة علمية وحتى ثقافية؛ وهذا ما يشهد به الفرنسيون أنفُسهم.. إنّ [فرنسا] في أزمة عِلمية ولغوية، ففي مجال الاختراعات مثلا سجّلتِ [اليابان] سنة (1991) (200) ألف اختراع جديد؛ والولايات المتّحدة (60) ألفًا؛ و[ألمانيا] (30) ألفًا؛ أما [فرنسا] فلم تتجاوز (12) ألفًا فقط؛ والكلّ يعرف أنّ [فرنسا] في أزمة من حيث البحث العلمي، وأنّ اللغة الفرنسية قدِ انتهت كلغة للعلم والتكنولوجيا؛ وإنّي لأتساءل عن السّبب الذي جعل هؤلاء المتفرنسين عندنا يحتفظون باللغة الفرنسية كلغة أساسية في ميدان التعليم في بلادنا؟ ثمّ ما السّبب الذي يجعل هؤلاء يُدْخِلون بلادَنا في زمرة البُلدان الفرنكفونية ونحن منها براء؟ فتعليمُنا الذي يعيش مشاكلَ مزمنة بسبب نماذج التّربية المستوردة من [فرنسا] الاستعمارية، والإصلاحاتُ المزعومة لمنظومة التربية ببلادنا ليست سِوى نُسَخ رديئة لِلنّظام التعليمي الفرنسي المستورد، ممّا يجعل تعليمَنا غير متكيِّف مع الحاضر، وعاجِزًا تماما عن التّحضير للمستقبل، وتلاميذُها استحالوا إلى مجرّد (فئران المختبر) ليس إلاّ..
لا يمكن فصْل مفهوم [الفرنكفونية] عن سيرورتها التاريخية المرتبطة وراثيًا بالفترة الاستعمارية، كما أنّها مرتبطة بفترة التخلّص من الاستعمار التي لم تنْتَه بعْدُ.. إذا تحدّثنا لغةً، هل يمكن أن نقول إنّ الفرنكفونية تتمتّع بالأغلبية داخل [مؤتمر الفرنكفونية]؟ فعلى (290) مليونًا من رعايا (35) عضوًا في (مؤتمر الفرنكفونية)، تجد (105) ملايين مسلم؛ (19) مليونًا فقط يتحدثون الفرنسية؛ و(80) مليونًا يتحدثون العربية؛ وفي [المغرب] تجد أنّ (90) بالمائة من المغاربة يتحدّثون العربية؛ و(10) بالمائة يتحدّثون لهجات مختلفة، وأقلّية لا تكاد تُذْكَر هي التي تتحدّث الفرنسية، ولكن إعلام التّضليل يركّز في الأخبار، وفي شتى البرامج على الفرنسية، وكأن هذا الإعلام الذي لا يسمعه أحد، يخاطِب الفرنسيين وهمُ القِلّة في بلادٍ يدير شؤُونها أُناسٌ كوَّنتهم [فرنسا] لخدمة مصالحِها الاستعمارية..
إنّ معرفة لغة ثانية، وليس بالضّرورة أن تكون الفرنسية، يمكن أن يكون أكثر إفادة، إذا كنّا نُسيطر على لغتنا الأمّ، وأعني أجمل اللّغات، يعني العربية؛ إن أفضل علماء التربية في العالم وهو [بياجي] يبيِّن إلى أيّ حدّ نُسيء للطّفل، إلى حدود سِنّ السابعة، إذا عرّضناه للُغتيْن مختلفتيْن مع أمِّه في وسطه العائلي، وفي المدرسة؛ فالشخص الذي يتكلّم العربيةَ مع أبويْه، ويذهب إلى الثّانوية حيث يتعلمُ كلّ شيء باللّغة الفرنسية، يتعرّض لِـ[سكيزُوفْرِينْيا]، أيْ (فِصام) ثقافية خطيرة، وهنا أتذكّر وزيرًا لِلتّعليم، كان من قبلُ وزيرًا للدّاخلية، كان قد قرّر تعليمَ الفرنسية للأطفال في الصّف الأولى ابتدائي، ولكنّه أُزيحَ بعْد (6) أشهر من على رأس وزارة التعليم ببلادنا فأراحنا الله من خِلْقتِه.. وها أنتَ ترى الآن، مَن هُمْ على رأسِ هذه الوزارة وإلى أين يسيرون بمنظومتنا التربوية التي تفاقمتْ أزمتُها..
قد يعترض معترض في هذا الباب بالقول: [إن كاتبَ هذا المقال يجهَل اللّغةَ الفرنسية، والناسُ أعداءُ ما جَهِلوا]، وبذلك يفسِّر هجومي على اللّغة الفرنسية؛ وفي ردّي على هذا الـمُعْترِض، أقول لأخينا المعترِض، إنّ كاتبَ هذا المقال كان أستاذًا للّغة الفرنسية، وكان جاهلاً باللّغة العربية، فأدركتُ نفسي، وتعلّمتُ أجمل اللّغات، ولا يمكنني أن أدّعيَ أنّي أُتْقنُ العربية أكثر من إتقاني لِلّغة الفرنسية، ونتائجي المدرسية تجد مكتوبًا فيها دائِمًا: [لوحة الشّرف بتساهُل في العربية]؛ ولـمّا بدأتْ تُنشَر مقالاتي في الجرائد بالعربية، قال أستاذٌ ساخرًا أو هازئًا أو: [ما لِلْمَوالي، ومَا لِلشِّعْر؟].. إنّنا في بلدنا، نعيش مع أشخاص مُسْتلبين ثقافيا ولغويًا، وهم يَكذِبون علينا حين يقولون إنّهم مع اللّغة العربية، وفي أحيان أخرى يعتَرفون بأنّهم مع اللّغة الفرنسية، وسياستُهم تؤكّد ذلك خاصة عندما تجد في السّجِلات المدرسية أنّ الفرنسيةَ هي اللغة الأجنبية الأولى وأنّ مُعامِلَها هو (05)، ثم يدّعون أنّ العربيةَ ليست لغةَ علوم، ونحن نسألهم: هل اللّغة الڤيتْنامية التي تُدرّس بها الموادّ العِلمية، هي لغة عِلمية أساسًا؟ فاللّغةُ بِرجالها، يطوّرونها، ويعتزّون بها، ويفْخَرون بها، ويتحدّثون بها بكلّ فخْرٍ واعتزاز؛ وأما لغةُ الغير، فمن يتحدث بها لا يعدو أن يكونَ ببّغاءً يلوكُ جلودَ جيفة ميّتة مدّعيًا أنّ الفرنسيةَ هي لغة علوم وتكنولوجيا وهي ليست كذلك كما يشهد بذلك أهلُها.. اللّغة العربية أثْرت جميع اللغات، فهي تتوفّر على (16) ألف اشتقاق، فيما الفرنسية لا تتجاوز (04) آلاف فقط.. الفرنسية ماتت ودُفِنَتْ دون طقوس أو مراسم وتعازينا لِلْفرنكفونيين الـمُسْتَلبِين..

Exit mobile version