Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الفساد بين الرشوة و” الحْـلاوة”

حدد مشروع القانون 46-19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الفساد وأعلن عن من هو المفسد الحقيقي في المجتمع.
ويتجاوز المغرب بهذا القانون الخلط الكبير الذي افتعلته بعض الأحزاب، وخاصة التي تدعي الدفاع عن القيم الإسلامية في استعمالها لهذا المصطلح.
وبدخول هذا القانون حيّز التنفيذ بعد المصادقة عليه بالإجماع في مجلس النواب، الإثنين الأخير، في انتظار نشره بالجريدة الرسمية، سيطرح إشكال جديد في الوسط الاجتماعي والاقتصادي عن ظاهرة “الحلاوة”، وهل هي تدخل في باب الرشوة أم مجرّد هدية ،أم معاملة تجارية صرفة، مهرّبة عن كل مراقبة.
و” الحلاوة ” في العموم فساد مقنّن، حاول المتعاملون به التهرب من الرقابة القانونية والرقابة الدينية كذلك، عبر تسميته “السّكّرية “ّ، وهو ما يعني أن المانح والقابض يعرفان جيدا أن هذا التعامل حرام شرعا وأنه خارج القانون، لأنه في آخر المطاف تبقى الدولة ضحية كبرى له، كونها لا تستفيد شيئا من كل معاملة من هذه المعاملات المسماة “حْلاوة “، إذ من المفروض أن أي تعاقد بين طرفين بغاية مالية وتجارية يؤدى عليه نصيب لفائدة الدولة ويدخل في خانة الضرائب، فهل فكر القانون الجديد في هذا النوع من المعاملات و هل جعلها محرمة وغير شرعية أم ستظل سائدة إلى أن يتم في مشروع قانون جديد يتضمنها ويجرمها.
إن المغرب لكي يرتقي إلى المستوى الذي يطمح اليه يجب عليه أن يقطع بثاثا مع هذه الممارسات وينظمها في إطار قانون.
فـ”الحلاوة” إذا كان يعتبرها البعض ويسميها رهنا، فيجب أن تقيّد بالكتابة والعقد على أنها كذلك رهن، وإذا كانت تسبيقا مقابل الاستفادة من خدمة مثل ما يقع في العلاقات التحارية بين أصحاب مأذونيات النقل أي “الكَريمات “، وبين أصحاب سيارات الأجرة من جهة وسائقي هذه السيارات من جهة اخرى، فلا بد من أن يتم تقنينها لتستفيد الدولة من هذه المعاملات التجارية التي أصبح من الضروري أن تمر عبر قنوات التضريب وعن طريق المديرية العامة للضرائب.
ما يقال عن ” الحلاوة” في العلاقة التجارية التي تربط الفاعلين في مرفق النقل عبر” الطاكسيات”، يقال عن “الحلاوة” التي تتم في المعاملات التجارية بين المنعشين العقاريين ومُلاّك عقارات السكنى والتجارة، وهي المعاملات الخفية التي اتخدت مسمى ” النوار”، ويدفعها المشتري إلى المنعش نقدا ودون تسجيل أو كتابة، ما يضيع على الدولة أموالا طائلة في إطار التهرب من التصريح الضريبي.
” الحلاوة” في ما يسمى بـ”عتبة الباب ” أو ما يعرف بـ” السّارُوت” كدفُع مالي بين صاحب العقار والمكتري، هو أيضا نوع من الفساد المالي بين المتعاملين به، دون أن تستفيد منه الدولة شيئا لأنه يمر عبر قنوات غير قانونية، شأنه شأن باقي أنواع “الحلاوة” التي تُدفع في كل المجالات من أجل الاستفادة من خدمات متنوعة لكن بمقابل مالي ضروري.
هكذا أصبح على ذوي الاختصاص أن يبحثوا، حتى لا يظل هذا النوع من المعاملات المالية والتجارية نوعا من الريع الذي يتم التصرف فيه بتدبير ريعي آخر، لأن التنمية الاقتصادية هي كل لا يتجزأ.
اليوم تعاني الإدارة الوطنية من فساد مستشري في عروقها كما يعاني منه المواطنون في صمت، إذ حتى الأرقام التي تم التطرق إليها، سواء لدى النيابة العامة أو لدى وزارة العدل أو لدى مؤسسات معنية بمحاربة الرشوة والفساد لم تعد ترنّ أو تحرك ساكنا، وهذا لا يعني أن المغرب لم يعد به فساد، ولكن يعني أن المواطن اندمج بدوره في سوق الفساد، وأصبح يطبق المقولة السائدة ” دهن السير يسير..”

Exit mobile version