Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الفقر لنا والثروة لهم..

محمد عفري
هُم؛ هم الأثرياء أصلا. اكتنزوا الأموال وحازوا الأراضي والثروات في البر والبحر والجو، وجمعوا بين المصالح والعلاقات والاستثمارات، ووفّروا لذرياتهم الوظائف السامية والامتيازات الكبرى، واستمرؤوا فعل ذلك منذ عهد الاستقلال وقبله، وسيظلون على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ ومع ذلك جاء (مشروع) قانون مالية 2023 لصالحهم ومصالحهم على حسابنا نحن.. نحن الفقراء إلى الله وهو الغني الحميد؛ نحن الطبقات الهشة الفقيرة المعوزة البئيسة الكادحة؛ نحن الذين إن ارتقى منا البعض، وما نكاد؛ وقفنا عند باب الطبقة الوسطى “نستجدي” حظنا، لا ندخلها إلا خائفين، ومع ذلك جاء مشروع قانون مالية 2023 ضدنا وضد مصالحنا مجحفا في حقنا، لم يفكر فينا البتة وفكر في الأثرياء، كما اعتاد التفكير فيهم دوما.. كيف ذلك؟
جهود كبيرة ووقت وافر وأموال باهظة تم تسخيرها للنموذج التنموي الجديد والميثاق الوطني للاستثمار، وقبلهما للمناظرات الوطنية للجبايات، ومع ذلك ظلت العدالة الضريبية مفتقدة والضرائب لصالح الأثرياء وضد الفقراء حاضرة، وظل بموازاة ذلك؛ النسيجُ الاقتصادي الوطني ضعيفًا؛ لأن الاهتمام والعناية بالمقاولات الصغرى والمتوسطة ظلاَّ مُغيّبيْن، على الرغم من أن هذا الصنف من المقاولات هو الذي يستقطب السواد الأعظم من الطبقة النشيطة من اليد العاملة والكفاءات المغربية، في الوقت الذي لا توجد بالمغرب بالكاد إلاّ قرابة خمسمائة مقاولة كبرى؛ نصف عددها تابع للدولة، والبقية منقسمة بين المقاولات متعددة الجنسية ومقاولات أباطرة القطاع الخاص، ما يعني باختصار؛ أن مشروع قانون مالية 2023 الذي سيصبح بعد أيام معدودات قانونا ملزما، لا يعكس في غالبيته لا جوهر الخطب الملكية السامية ولا عمق الميثاق الوطني للاستثمار أو تطلعات النموذج التنموي الجديد ولا توصيات المناظرات الوطنية للجبايات والضرائب.
مجرد تأمُّل أفقي في ثلاثة تقارير رسمية؛ كفيل باستخلاص تفكير حكومة أخنوش في جعل هذا القانون “مفصَّلا” على المقاس؛ لا يستجيب لعموم المغاربة ومتطلباتهم بالقدر الذي يستجيب إلى ثلاث قِوى قوية ضاغطة؛ أولاها الاتحاد الأوروبي الذي استسلمت إليه حكومة أخنوش استسلام الخضوع الأعمى، حينما صنف المغرب ويصنفه في ترتيب مخجل للغاية، باللائحة الرمادية للتهرب الضريبي، حيث لم تستطع هي، كما سابقاتها من الحكومات، فرْض عدالة ضريبية وإخراج المغرب من خانة “الجنّات الضريبية”. ثانية هذه القِوى الضاغطة؛ هي الاتحاد العام للمقاولات المغربية( الباطرونا) الذي يعتبر في الحقيقة ناديًا مغلقا لكبار المستثمرين ورجال الأعمال المؤثرين في الاقتصاد الوطني، شعاره الدائم “المناورة” قبل “التفاوض” من أجل انتزاع الامتيازات لصالح هؤلاء “الأرباب”؛ علما أن غالبية الباطرونا هم أعضاء في الحكومات ودوائر القرار. أما ثالثة هذه القِوى الضاغطة؛ فيمكن إيجازها في لوبيات القطاعات الحيوية المؤثرة في النسيج الاقتصادي الوطني؛ من قبيل أباطرة التعليم الخصوصي وأباطرة المصحات ومختبرات الأدوية والتحليلات الطبية وأباطرة الإنعاش العقاري والنقل الطرقي الدولي، وغيرهم ممن يدخل في هذا “النسيج”، فيما الباقي من المغاربة من موظفين ومأجورين وطبقات هشة وطبقة متوسطة، فلا وجود لعلاقة قانون مالية 2023 بهم بتاتا، وحتى رفع” مدخولاتهم” من ثلاثين ألف درهم إلى خمسة وثلاثين ألف درهم سنويا في هذا القانون كما تبجَّح بذلك فوزي لقجع وزير الاقتصاد والمالية، يعتبر ضحكا على الذقون، مادام “التفصيل” في هذا” الرفع” يعني زيادة لا تتعدى في الأكثر خمسين درهما في الأجر..
الخلاصة؛ قانون مالية 2023 لا يمكنه الحد من الاختناق المالي والجبائي للمغاربة ولا يمكنه أن يكون في صالحنا نحن الفقراءَ وذوي الهشاشة الاجتماعية. قانون مالية 2023 يبين ألاّ نية لحكومة أخنوش وغيرها من الحكومات، في فرض عدالة اجتماعية عبر عدالة ضريبية أولا، ولا قدرة لها في ذلك؛ لأن التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط أكد “سقوط” ثلاثة ملايين مغربي من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة، ولأن تقريرا أخيرا لبنك المغرب أكد أن افتقادَ حكومة اخنوش الكفاءةَ ضيَّع على المغرب قدرات تعبوية بثمانين مليار درهم بسبب التملص الضريبي والتهرب الجبائي؛ فيما التقرير الأخير للبنك الدولي أكد أن تقاعس حكومة أخنوش في مطاردة المتهربين من الالتزام الضريبي ضيَّع على المغرب 12 في المائة من القدرات المالية للدولة خلال سنة واحدة..

Exit mobile version