Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

الفهم الغلط لـ”الانفراج السياسي”

كثُر في الآونة الأخيرة الحديث عن الانفراج السياسي، من قبل الأغلبية والمعارضة وحتى من خارج الأحزاب الممثلة في البرلمان، بل حتى بعض الشخصيات التي تعتقد أنها فاعلة سياسيا، لكن للأسف الشديد في زمن يوجد فيه برلمان بمجلسين، وتوجد فيه أحزاب سياسية حد التخمة، وتوجد فيه جمعيات وفاعلين وحتى مؤثرين في الفيسبوك يبعثون رسائل للملك، يأتي من يتحدث عن الانفراج السياسي، الذي أصبح اليوم أحدوثة غريبة.
كان الزعماء السياسيون يتفاعلون مع اللحظة التاريخية ويبدعون المصطلح الذي يجيب على اللحظة، فالكل يتذكر عبارة الراحل امحمد بوستة، الزعيم الاستقلالي، “الانتخابات المخدومة”، جملة من كلمتين صغيرتين، لكن لها دلالات كبيرة، كانت موجهة لأقوى وزارة في تاريخ المغرب أي وزارة الدولة في الداخلية على عهد إدريس البصري، وكانت لدى هذه المؤسسة خبرة كبيرة في التزوير.
وعندما قال المرحوم عبد الله القادري مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي إن الانتخابات “شفافات ونزيهات”، كان يسخر من الواقع الذي وصلت إليه، بل حتى صمت السياسيين كان له معنى، وهو ما فعله الراحل عبد الرحمن اليوسفي عقب الانتخابات، التي وصفها بوستة بالمخدومة، حيث توجه إلى فرنسا معتصما صائما عن الكلام محتجا بطريقته الراقية، التي حتى لو اختلفت معها لا يسعك إلا أن تحترمها لأنه لم يضر بلده باحتجاجه ويا ما كانت من قوى دولية تريد استغلال ذلك.
لكن اليوم يظهر أن هناك شحا كبيرا في المفردات، وفي إبداع المصطلحات، حيث إن مجرد تداول مصطلح “الانفراج السياسي” يبين بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أزمة مفاهيم لدى النخبة السياسية، فلو تم تداول هذا المصطلح سنوات الثمانينات والتسعينات لتم قبوله بسرعة، وحكومة التناوب جاءت لتجيب عن سؤال “الانفراج السياسي”، الذي كان حاجة ملحة حينها، لكن اليوم يبدو غريبا.
الانفراج السياسي هو أفق للدول التي تعيش إما دكتاتورية أو تعيش أزمات سياسية ناتجة عن بلوكاج معين، مثل أزمة تشكيل الحكومة في لبنان حاليا، أو التوتر الذي تعيشه الجارة الجزائر نتيجة هيمنة النظام العسكري، فالانفراج السياسي هو الأفق الذي تنقشع معه سحب الضباب وتعود الحياة السياسية إلى طبيعتها.
نسائل الزعماء السياسيين، اليوم في المغرب هل توجد أزمة سياسية؟ إذا كانت هناك أزمة سياسية من المتسبب فيها؟ بالعكس فإن التهمة اليوم موجهة للأحزاب السياسية إذ من خلاصات النموذج التنموي أن المغاربة لم يعودوا يثقون في السياسيين، وبدل أن تبحث الأحزاب عن سبب عدم ثقة المواطن هربت إلى الأمام من خلال الحديث عن ضرورة الانفراج السياسي، رغم أن كل المؤسسات ظلت تواصل عملها بما فيها البرلمان، طوال مدة الحجر الصحي بل إن المؤسسة التشريعية هي التي أقرت قانون الطوارئ الصحية.
أول من زرع هذا المصطلح في المشهد السياسي الحالي هو حزب العدالة والتنمية وذلك بعد التصويت على قانون الانتخابات وعدم رضاه على القاسم الانتخابي، فتلقفته باقي الأحزاب السياسية غير المبدعة، وكان الحزب الإسلامي يقصد مؤسسات الدولة، مع العلم أن القانون كان مشروعا من الحكومة وصوت عليه البرلمان المشكل من الأحزاب السياسية.

Exit mobile version