Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

القرنُ (20) نِصفُه الثّاني كان أكثر مأساويةً تجاه العرب

محمد فارس
[حربُ فلسطين: 1948]: قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة مشروع التقسيم الذي يُقسّم [فلسطين] إلى دولتيْن: عربية ويهودية، فأعلن مندوبو (الجامعة العربية) أن قرار الجمعية باطِل وغير معمول به ومُخالف للميثاق، وأن بلدانهم لن تتعاون مع اللجنة الدّولية التي ستُنفذ التقسيم، فقامتِ المظاهرات في البلاد العربية وعواصِمها، وافتتحتْ مكاتبُ للتطوع، وبدأت الحرب بِصورة غيْر نظامية في [فلسطين]؛ وعندما أعلِن إبرامُ قرار التقسيم، تخلّت [بريطانيا] عن سُلطات الانتداب، عندها هبَّ اليهودُ لإعلان تأسيس دولتهم.. وفي يناير (1948) دخل إلى [فلسطين] أول فوج من جيش الإنقاذ الذي تألَّف من متطوّعين، ودخل فوجٌ آخر في (فبراير) وعسْكَر في [بيسان]، ووافاهُما فوجٌ ثالثٌ في (مارس) ورابطَ في [نابلس]، في المثلّث الذي كان يُدْعى بمثلث الرّعب؛ وقام العربُ بمعاركَ عديدة أشهرها معركة (القسْطَل)، على أن هذه القوة لم تقْوَ على كبْح جِماح العدوان الصهيوني، فتجاوز الصهاينةُ حدودَ منطقتهم الخاصّة، واستولوا على كثير من المدن والقرى العربية مثل (طبَريا)، و(صفَد)، و(يافا) ودمّروا بيوت السّكان وألحقُوا بهم أفظَع ألوان البربرية، ومن أشهر المآسي، مأساةُ [دَيْر ياسينّ، حيث ذبح اليهودُ مئتيْن وخمسين نَسَمة، دون تفريق بين شيْخ، وطفل أوِ امرأة ورجُل، ومثّلوا بهم ببَقْر البطون وتقطيع الأيدي والأرجُل، وفقْء العيون، ثم ألقوْا جميع هؤلاء الضحايا في بئر القرية رغم أنّ [بريطانيا] كانت ما تزال مسؤولة عن الأمن، فلم تُحرِّكْ ساكنًا..
وتكرّرت مأساةُ [دير ياسين] في قرية [ناصِر الدين] القريبة من [طبريا]، فمحَوْها عن بكرة أبيها، وقتَلوا سُكّانها، وأحرقوا بيوتها، وكان موقفُ [بريطانيا] مثْل موقفِها من مجْزَرة [دير ياسين]؛ وكذلك مأساة [حايْفا] وقد سلّمتْها [بريطانيا] إلى اليهود دون سابق إخبار أو إنذار؛ وفيها من السّكان العرب ما يَربو على (60) ألف نسمة، وقفوا عاجزين أمام بربرية اليهود، وهمجيتهم، وقد حيلَ دون دخول أيّ قوة عربية مسلحة لإنقاذهم أو تخفيف هذه الكارثة التي حلّت بهم، وبدأت [بريطانيا] بالجلاء بطريقة ضمِنَت رسوخ أقدام الصّهاينة في المدن الكبرى، إذ كانت تجلو أولاً عن الأحياء العربية لتمكِّن اليهودَ من احتلالها؛ وعندما بزغ يوم (15) من شهر (مايو)، أعلن اليهودُ ميلادَ دولتهِم؛ لاقتِ الجيوشُ العربية نجاحًا كبيرًا في الجولات الأولى حتى إنّ [تل أبيب] أصبحت داخل دائرة النار تُصليها بها القواتُ العراقية، والسّورية، والأردُنية، والمصرية، وفي هذه الحال أسْرعَ الصّهاينةُ ضارعين إلى الأمريكيين يحثُّونَهم على التدخل، وقد تدخّلوا فعلاً، بِوصْفهم ورثةَ القضية من البريطانيين..
ظهر بعد ذلك أن الصهاينة أوْفر سلاحًا وعتادا ومدافع وطائرات، فقام الصّهاينة بالاستيلاء على [صفَد]، و[النّاصرة]، وشَرعت طائراتُهم بالإغارة على (القاهرة)، و(دمشق)، و(عمّان)، وركّزت قواتُهم على القوات المصرية لإجلائها عن (النّقب)؛ وهكذا، كانت مسألة جيش الإنقاذ وتصرُّفات قيادتِه مثار شكّ وريبة في تعاونها على طرد اليهود.. طار الكونت [بيرنادوت] إلى (نيويورك) طالبًا من (مجلس الأمن) إيقافَ القتال، أعلن اليهودُ موافقتهم على قرار (مجلس الأمن) مبتهجين، لكنّهم لم يلبثوا أن استأنفوا خَرْقَ الهدنة في (القدس)، و(النّقب)، وقد أخذ اليهودُ بعد وقْف القتال، يعلنون استعدادهم لمفاوضة العرب وعقْد صُلح دائم، وأبلغوا [بيرنادوت] بذلك، لكنّ العربَ رفضوا المقترح بالإجماع، وعمدَ اليهودُ إلى اغتيال وسيط السلام [الكونت بيرنادوت] وهو ابن عمّ ملِك [السّويد]، فحلّ مكانه وسيطٌ آخر يُدْعى [بانْش]؛ خاضت القوات المصرية بعد ذلك معركة في (دير البلح)، ألحقتْ خلالها باليهود خسائر وهزيمة في (25) دجنبر (1948) وأن تحتفظ بقطاع (غزّة)؛ عُقِدَت بعد ذلك معاهدات الهُدنة، فضُمّت منطقة (غزّة) و(رفَح) إلى [مصر]؛ وضُمّت ضفّة (الأردن) الغربية إلى [الأردن]؛ كما أوجدَت منطقة حَرام بيْن الحدود السّورية والحدود اللّبنانية والحدود الإسرائيلية، وهي منطقة عزلاء تفصل بين قوات الطّرفين.. هكذا، حُلّت قضيةُ [فلسطين] مؤقّتا، والآتي أسوأ، وأشدّ، وأنكى، لغياب سياسة عربية حكيمة، وكم هي الفُرص التي مرّت وجاد بها التاريخُ مرّة واحدة، فلم تجِد مَن يغتنمُها ويستغلّها في زمانها، ثمّ أتَتِ اللاّءات الثّلاث في مؤتمر [الخرطوم]، فتلتْها النّكبةُ، يا حسرةً على العرب!

Exit mobile version