Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

اللاّمعقول السّياسي أو سياسة اللاّمعقول في بلادنا

محمد فارس
لمناقشة هذه الظاهرة التي ابتُليت بها السياسة في بلادنا، وأعني بهذه الظاهرة [اللاّمعقول]، لابدّ لنا أن نحدّد مفهوميِ السياسة واللامعقول، لأن الرّبط بينهما في جملة واحدة، قد يبدو لا منْطقيا، وهذا [ألبير كامي] قد ربط في فلسفته بين الوجود واللاّمعقول، حتى لإنّه رأى أن كلّ ما في هذا الوجود، لا معقول وعبثي، وهناك من يُسمّي فلسفة هذه: فلسفة العبث، وأنا كمسلم، أرفُض أن يكون الوجود عبثيًا مصداقًا لقوله جلّ جلاله في كتابه الكريم: [أَفحسبْتُم أنّما خلقْناكم عبثًا وأنّكم إليْنا لا تُرجعون] صدق الله العظيم. فالعبث هو الباطل الذي لا أساس له، ولا نتيجة له، ولا نفع فيه، ولكن مقولة [اللامعقول] أقبلُها وهي بادية في سلوكات البشر، وقراراتهم، واختياراتهم، وقد رأيتَ أنّنا ربَطْنا بين اللاّمعقول والسياسة، لأن في ميدان السياسة تتجلّى بوضوح معالم اللامعقول في أبشع صورِها وخاصّةً في بلادنا؛ لكن ما هي السياسة وما هو اللامعقول؟
بإيجاز غير مخلّ، يمكن أن نقول إن السياسة مصدر سَاسَ، وهي تنظيم أمُور الدولة، وتدبيرُ شؤونها، وقد تكون شرعية، أو تكون مدنية.. فإذا كانت شرعية، كانت أحكامُها مستمدّة من الدين؛ وإذا كانت مدنية، كانت قسْمًا من الحِكمة العملية، وهي الحكمةُ السياسية، أو عِلْم السياسة.. والسياسي هو المنسوب إلى السياسة، تقول مثلا، هذا أمر سياسي، وهو الأمر المدني المشترك بين المواطنين الخاضعين لقوانين واحدة، ومنه الاقتصاد السياسي، والحقوق السياسية والسلطات السياسية.. وإذا أُطلق لفظ السياسي على من يتولّى الحكم في الدولة، دلّ على نوعيْن من الرجال: أحدُهما رجُل الدولة، وهو الذي يقيم الحكْم على سُنن العدْل والاستقامة؛ والثاني، رجل الحكم الماهر في الانتفاع بالظروف الـمُحيطة به لتحقيق مآربه السياسية، ومصالحه الشخصية، ولا يكترث في سياسته بمصالح الأمة، وبقضايا المواطنين، وحماية حقوقهم، وهذا النوع الثاني هو المسيطر على السياسة البئيسَة في بلادنا للأسف الشديد..
لكنْ ما هو [اللامعقول]؟ اللامعقولُ هو المناقض للعقل، أو الغريب عن العقل، ويقابله المعقول.. واللاّمعقولُ عند [مايرسُون] هو الذي يجاوز حدود العقل، أو الذي يقف عنده التفسيرُ المنطقي للأشياء؛ واللامعقول، هو اللامفهوم الذي لا تستطيع إدراكَه، أو تفسيره بأسباب مقبولة في العقل؛ واللامعقول أخيرًا هو اللاّمنطقي، ويُطلق على العدد الأصمّ، وهو الذي ليس بينه وبين الواحد اشتراك في القياس.. وهكذا، إذا ربطتَ في جملة بين السياسة واللامعقول، أدركتَ أن بعضًا ممّن وَلجُوا ميدان السياسة، لا علاقةَ لهم بالسياسة، لا من بعيد، ولا من قريب، ولا يعرفون شيئًا لجهلهم بعلوم السياسة، وهؤلاء المتطفّلون على ميدان السياسة، ذكرهُم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ صحيح قال فيه بالحرف: [سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدّقُ فيها الكاذب، ويكذّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّنُ فيها الأمين، وينطِق فيها الرُّويْبِضَة، فقيل: ومن هُم الرّويْبِضة يا رسول الله؟ قال: التّافه يتحدّث في أمور الناس].
فإذا نظرت اليوم إلى من يشكّل الحكومة، ويملأ البرلمان بقبّتيْه، ويتحكّم في مؤسّسات الدولة، واطَّلعْت على الأحزاب الغثائية التي استحالت إلى أضرحة لا حسَّ فيها ولا حياة، يملؤُها أناسٌ وكأنّهم موتى بلا قُبور، لألفيْتَ بكلّ سهولة أنّ هؤلاء جميعهم مجرّد رويْبضَة كما قال النّبيُّ عليه السلام في حديث صحيح.. فهؤلاء في الحكومة، وفي المؤسّسات، وفي البرلمان، وفي الجماعات، لا علاقةَ لهم بالسّياسة، ومعظمهم أمّيون، وجلُّهم جهلاء، فهم مجرّد [عوام] أتى بهم إلى هذه المقاعد، الفسادُ المتحكّم في مفاصل البلاد، لذا ترى أنّ كل رئيس حكومة، يهادِن الفساد، وهناك من سالم الفاسدين، وأمّنَ المفسدين بآية قرآنية: [عفا الله عمّا سلَف] واستعْملَها فيما لم تنزل فيه، لأن الله وعدَ الفاسدين والـمُفسدين بعذاب شديد يوم تقومُ الساعة، وقال جلّ جلاله: [إنّهم يروْنه بعيدًا ونراه قريبًا] صدق الله العظيم. فأيّ سياسة معتَمدة في أيِّ بلد، هي الأصل في تقدّم أو تخلّفِ ذاك البلد؛ لذا ترى أن كل المشاريع لم تنجحْ، وكل البرامج باءَت بالفشل، والآن اشرأبَّ الجوعُ والفقر بعنُقه من وراء الأُفق، والمستقبلُ لا يبشّر بالخير، لأنّ ميدان السياسة صار مَرتَعًا يلعب فيه الجهلاء، والأميون، والتجار، والمنافقون، والكذبة؛ إنه والله اللاّمعْقول لا شكَّ في ذلك..

Exit mobile version