محمد عفري
من خرجته “الباسِلة” التي أفاض مضمونُها وشكلُها ما تبقى من كأس الغل لدى جميع المغاربة ضد المحسوبية وانعدام فرص التكافؤ وإعدام المصداقية، استحضَرَ فِيَّ ذلك الجواب المقيت لِمُحامٍ يشهد تاريخ المغرب القضائي ألاَّ قضية بارزة ترافع فيها، (وأنّى أن تكون وطنية)، شخوصَ العديد من صناديد المحاماة الذين عج بهم هذا الوطنُ، فجمعوا بين مهنة “النبلاء” والسياسة الحصيفة والقيادة الرشيدة لأحزاب وطنية والسلطة النافذة؛ فما زاغوا يوما قطُّ، عن خط تواصل الكَيِّسين مع موكليهم وزملائهم وإخوانهم من المناضلين ومع المواطنين.
أَجِدُني فريّا، جئت أمرا أكثر فِرية يصعد بي إلى الكبيرة التي تستحقني الرجم المميت لأجري هنا مقارنة لا مجال لها، وما كنت لأجريها، لولا قاسم الاشتراك في المهنة والوِزْر بين المُقارَنَيْن فقط ، أما الباقي ففيه بون أشسع من الشساعة نفسها، وليعذرني الراحل الشهم الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد وأنا أنغّص على روحه مرقدها لأثيره هنا بسبب “زميل” له قادته اللعبة السياسية “القذرة” إلى أن يكون (“حتّى هو” بالدارجة) “زعيما سياسيا” بدرجة أمين عام لحزب، ومنه إلى موقع حساس بالسلطة التنفيذية، من درجة وزير للعدل، فَعَلَ ما شاء وقال ما شاء بسبب مباراة لـ”أهلية” المحاماة ومن دون سبب.
لا أحدَ من المغاربة والاتحاديين بالخصوص، بإمكانه نسيان الصورة المعبرة الخالدة التي أُخِذَت للراحل عبد الرحيم بوعبيد، في سجن لعلو بالرباط، في آخر سنة 1981، بقميصه المفتوح وصدره العاري، تجسيدا لأي ثمن من أجل أم القضايا الوطنية، وكقدوة في القيادة السياسية والمواطَنة، ولا أحد من المواطنين والشباب المغاربة، بالخصوص، سيكون بإمكانه نسيان “وضعيات” الصور التي بَدَا عليها عبد اللطيف وهبي مؤخرا أمام الكاميرات والميكروفونات مستهزئا متبجحا محتقِرًا، وهو يدافع عن “نجاح” ابنه في مباراة ولوج سلك المحاماة بمبرر حصوله على إجازتين أجنبيتين من كندا، مؤدى عنهما، دفع ثمن مسار دراستهما، الوالدُ المحاميُ، الذي منح لنفسه حق التفاخر بأنه ثري من أثرياء المغرب، شتيمةً في باقي المغاربة الذين تنهك السواد الأعظم منهم الهشاشةُ والفقرُ، ليس بسبب الافتقاد إلى الثروة النوعية المتنوعة التي يعج بها المغرب، ولكن بسبب انعدام قانون عادل لاقتسام جزء من هاته الثروة، بدايةً من عائدات الضريبة التي يؤديها المواطنُ “الهش البش”، ويتهرب منها من يخبر بمسالك التهرب فيصبح بين عشية وضحاها، ثريا لا يضمن لأبنائه نعمة الدراسة بالخارج فحسب، وإنما امتياز الحصول على الجنسيات الأجنبية احترازا من كل محاسبة ممكنة واستعدادا للهروب.
ليس المهم إن كان دفاع هذا “الزعيم السياسي” عن ابنه من دفاعه عن مصداقية مباراة أهلية المحاماة، أصبحت مثار اهتمام زائد بالقنوات الأجنبية، أكثر من إثارتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فصارت قضية رأي عام، ولا أن يكون بجوابه المُقرف قد ضرب بقوة في مصداقية التعليم الوطني وعمق التعليم العالي بالجامعات المغربية، ولا أن يكون صادرًا من الشباب المغربي أحلامهم بتكافؤ الفرص والثقة في بلدهم/ وطنهم قبل مصادرتها من التعليم العمومي بالخصوص؛ لكن الأهم هو ضرورة معرفة أن عبد اللطيف وهبي المحامي “المناضل البّامي” (اللي لاباس عليه)، هو الذي ما إن تقلد وزارة العدل، حتى تمّ سحْب مشروع القانون الجنائي المتمم 10- 16 والمتضمن لمادة حول تجريم الإثراء أو “الكسْب” غير المشروع، المعروف لدى غالبية المغاربة بقانون “الإثراء الفاحش”.
الأهم أيضا أن وهبي المحامي، قبل أن يكون زعيما للحزب، ولا وزيرا، هو الذي كان رفقة ذات الحزب في صفّ المعارضة في 2016 وقبلها، زعيما ضد هذا القانون، أقام الدنيا ولم يقعدها بصدده، بعدما تم وضعه كمشروع، ليمكث دون مصادقة عليه، مجمدا في ثلاجة البرلمان لأكثر من خمس سنوات.
شخصيا، لم ولن تفاجأني ردود فعل وأجوبة متسرعة، ليس في الدفاع عن المواقف وإنما في التفاخر أيضا، من مسؤولين يتماهى لديهم جمع الأموال بجمع السلطة والنفوذ، ليصبحوا في نظر أنفسهم أكبر وأعتى من النفوذ نفسه ومن السلطة ذاتها.. أَوَ ليس عبد اللطيف وهبي هو وهبي الذي ما إن اعتلى كرسي وزارة العدل حتى أهان مسؤولا إقليميا عن الشباب والثقافة والتواصل بتارودانت، مشهرا، صفته وزيرا للعدل، في القضية التي اشتهرت بـ”راني وزير العدل على راس كولشي، أنا وزير العدل، اشنو الدور ديالي، هو الأمن هو المحاكم، يعني المؤسسات كلها معايا(..)” كنعرف التقاشر ديالك أشمن لون”. أكثر من شهرتها بجواب المندوب “على راسي وعيني”.
لا أتصور أن يكون للراحل الشهم عبد الرحيم بوعبيد تفكيرٌ، بقيد أنملة، تصبح فيه مهنة المحاماة حقا “وراثيا”، حكرا على الأسر والعائلات، كما هو حال “التوريث السياسي” الذي ابتلانا به الله في هذا الوطن العزيز، لكني واثق من أنه رحمه الله، رحل وهو مدافع صلد عن أن الحق في المهنة حق دستوري متاح لأبناء الفقراء والأثرياء على حد سواء، أي (للذين آباؤهم “لاباس عليهم” والذين” ما لاباس عليهم”).
لوهبي المحامي الوزير الزعيم السياسي أقول، العديد من المغاربة آباؤهم أثرياء، ومع ذلك درسوا داخل الوطن، لأن ثقتهم كبيرة في الوطن ومؤسساته. كما أن عددا ممن “هربوا” إلى كندا وغيرها “للتحصُّل “على شهادات، مثلهم مثل الفاشلين من “تلاميذ زمان” الذين استعصى عليهم “فرض الوجود” بالمدرسة العمومية، فلجؤوا إلى المدرسة الخصوصية التي كانت مجرد “فرصة ثانية” لمن لفظهم التعليمُ العمومي.
المحامي “الزعيم” السياسي.. “الليّ لاباسْ عْليه”..
