Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

المحامي وسلسلة “نص نص”…دفاع عن المهنة ام محاولة للحسبة؟

ليس من مهام القضاء الحكم على جودة الإنتاج التلفزيوني، فدوره يختص بفض النزاعات المتعلقة بالإساءة للقيم العليا للبلاد وفق معايير مضبوطة، أو نشر قيم العنصرية والتمييز داخل المجتمع، ما عدا ذلك يبقى من اختصاص النقاد وربما جمعية حماية المستهلكين، لأن البرامج هي أيضا من ضمن ما يستهلكه المواطن، لكن أن ندخل مرحلة مقاضاة الإنتاج التلفزيوني مهما كانت جودته فهذا إعلان بدخولنا مرحلة جديدة من تاريخ المغرب، شبيهة بما كان يعرف عند المصريين بالحسبة.
لا يمكن القبول بهذا الأمر على وجه الإطلاق، حيث استمالت السلطة المصرية حينها الإخوان المسلمين، وأطلقت يدهم يعيثون في الأرض فسادا، يفرقون بين المرء وزوجه مثلما فعلوا مع المفكر نصر حامد أبو زيد، كما قاموا بمقاضاة العديد من الأعمال الفنية والفنانين، وتعرض العديد منها للمنع والرقابة، وينتج عن ذلك توتر مجتمعي خطير، لكننا في هذه البلاد لم نعرف مصادرة الكتب والأفلام ولا مقاضاة المفكرين، فأبو زيد لا يكتب أكثر مما كتب عبد الله العروي أو الجابري رحمه الله، ومع ذلك كانت كرامتهم الفكرية مصانة.
اليوم تريد جمعية المحامين الشباب الحجر على الفن، من خلال الرسالة التي بعثتها إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، كما يريد المحامي، الذي رفع الدعوى ضد إحدى السلسلات الرمضانية، العودة بنا إلى زمن لم نعشه فنيا في المغرب، زمن الآخرين، الذين عرفوا هذا النوع من التحرك المريب.
ورفعا لأي التباس فالسلسلة المعنية بموضوع المحاكمة، تعتبر فنيا ومضمونيا تافهة جدا، وهذا موضوع النقد الفني وليس موضوع المحكمة، لكن كون السلسلة تطرقت إلى شخصية محامي فهذا أمر معمول به في السينما. فالتمثيل يجسد الشخصية (le personnage) لا الشخص (la personne)، وبالتالي تمثيل دور محامي فاسد لا يعني أن شخص المحامي فاسد ولكن الشخصية الموجودة في السلسلة، ولهذا لا مبرر لانتفاضة المحامين.
لو أن كل فئة اجتماعية ومهنية رفضت أن يتم تجسيدها في المسلسلات لانتهى التمثيل بشكل نهائي، ففي السلسلات المغربية الرمضانية الأخيرة هو نقد لفئة الأساتذة، ومسلسل “باب البحر” مثلا “بهدل” الصحفيين، فهل تقوم نقابة الصحفيين او المجلس الوطني للصحافة بمقاضاة المسلسل؟
في كل فئة اجتماعية ومهنية الصالح والطالح. الناس طوب وحجر كما يقول المغاربة، ودور الفن هو عكس صورة المجتمع قصد معالجتها ومساءلتها، والحالة الوحيدة التي يمكن أن نتفق مع أية فئة تقوم برفع قضيتها إلى القضاء عندما يتم السخرية أو الاستهزاء أو اتهام المهنة، كأن توجه نعوتا مثلا لمهنة الطب، أما نقد الممارسة ففي الأطباء الجيد وفيهم ما دون ذلك كما في الصحفيين الجيد وفيهم السيئ وفي المحامين الشيء نفسه وفي القضاة، وسنويا تصدر الهيئات المعنية بالحكم قرارات تأديبية، ودائما توجد قضايا مرفوعة ضد المحامين، كما أن الهيئة نفسها تقوم بمعاقبة بعضهم.
الأساس هو البحث عن مواجهة الرداءة بأية وسيلة، وهذا حق للمشاهد ما دام الإنتاج الكوميدي والدرامي يُصرف عليه من المال، أما المقاضاة فهي شكل من أشكال الحسبة السيئة الذكر.

Exit mobile version