Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

المدونة وضرورة التأويل والتبديل

إدريس عدار
وقعت مدونة الأسرة بين فكي الكماشة. كل جهة من جهات الكماشة تحاول الإطباق عليها لوحدها. وفي النهاية ستتضافر “جهودها غير الموفقة” في سحقها. جهة تتحدث عن الحداثة والواقعية والتطور، ولا ترى أي مرجعية ثقافية يمكن أن تحكم سياق التغييرات التي يمكن أن تطرأ على المدونة، وجهة ترى في “الدين” العكاز الوحيد الذي تتكيء عليه في النظر إلى تعديل المدونة.
ليس من حق أحد أن يقطع في أمر سواء كان من هذه الجهة أو من تلك.
كثير من دعاة الحداثة يتحدثون عن المدونة كأنهم يريدون صناعة “ماكينة” للخياطة أو عصّارة ليمون أو طحّانة قهوة، ولكن هذه بنود تتعلق بثقافة مجتمع. وبمجتمع له ثقافة. يتحدثون عن تعديلات كأنهم وسط مجتمع لا أصل ولا فصل له. مجتمع وضعناه في هذه الجغرافية ونريد صياغته وصناعته. القصة ليست بهذه السهولة، التي تتصورها بعض التيارات. وهناك من ينفخ في الرماد بحثا عن الجمر. هناك من يريد للنار أن تحرق كل شيء. ليس لديه ما يخسره. بل هو يريدها أن توقد لأنه يستفيد منها.
دعاة إلى الحداثة يرون في المدونة السُلّم نحو المجد الغامض. قصدا كتبت “دعاة الحداثة”. أناس لا فكر لهم، ولكن يحفظون نصوصا ويكررونها على مسامع الناس. يجترون عبارات لا يمكن أن تنزل إلى أرض الواقع ولكن قادرة على التشويش على كل شيء.
في الجهة الأخرى هناك من يرى أن الدعوة إلى التغيير الجذري للمدونة معركة مع الدين. الذي يقول بمثل هذا الكلام مجرد عاجز عن إنتاج خطاب فقهي متجدد.
مثلما توجد عند الحداثيين قطعيات تحت عنوان “القيم الكونية” توجد عند الأصوليين قطعيات تحت عنوان “الدين”.
السؤال الموجه للحداثيين: هل القيم الكونية قطعية ويمكن تنزيلها دون المرور عبر بوابة الخصوصيات الثقافية المحلية؟
السؤال الموجه للأصوليين: هل الفقه قطعي؟
للحداثيين نقول: إن القيم الكونية هي قيم الغالب يفرضها على المغلوب. وكلما انقلبت موازين القوة في العالم انقلبت المفاهيم المتعلقة بالقيم. تعددت الجغرافيات التي أصبحت اليوم ترفض قيم الغرب. حتى روسيا كشفت عن وجهها الشرقي. بوتين قال إن بلاده لا تخوض صراعا مسلحا فقط ولكنها تدافع عن الفطرة السليمة. في إشارة واضحة إلى ما يفرضه الغرب من قيم. الصين الشعبية شكلت لجنة في المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي مهمتها مواجهة تغلغل الثقافة الغربية في المدرسة الصينية. الغرب لا يهمه غطاء رأس ولا تنورة قصيرة ولكن القيم التي تمهد له حكم العالم.
للأصوليين نقول: إذا كانت أحكام الفقه قطعية لماذا اختلف الفقهاء حد التناقض أحيانا؟ لا تبغونها عوجا من خلال قضية أو إثنتين. فالأحكام المتعلقة بالأسرة ليست واحدة وهي متعددة. الأساس في معركتهم ليس هو التغيير الجذري للمدونة ولكن عدم القدرة على التأويل. القطعي هو غير القابل للتأويل، لكن هل تتصورون أحكاما متجددة دون تأويل؟

Exit mobile version