Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

المسؤوليات و الحقوق والحريات: خلط في الفهم و التأويل و صراع في الواقع

أحمد الدرداري*
تعني المسؤولية التزام الشخص بما يصدر عنه من قول، أو فعل، سواء كانت المسؤولية التزام تجاه ذاته أو أسرته أو التزاما موضوعيا تجاه المجتمع أو الغير، كما تعني المسؤولية الالتزام بتأدية الرسالة موضوع التكليف.
و المسؤولية حسب المعاجم قسمت إلى أنواع، وهي المسؤولية القانونية، والأخلاقية، والاجتماعية، والجماعية. أما اصطلاحاً فتعرف بأنها القدرة على القيام بأفعال مع تحمل نتائجها و التي يقوم بها الشخص ان كانت فردية أو جماعة ان كانت المسؤولية جماعية، مع افتراض العلم المسبق بنتائجها.
والمسؤولية ترتبط بالحس الأخلاقي و بوجود موانع تحول دون الخروج عن حدودها بمنطق التمييز بين الضرر والمنفعة الذي على اساسه يتحمل الإنسان مسؤولية نتائج أفعاله، سواء كانت أفعالاً نافعة او ضارة .
و للمسؤولية أسس أو أركان ، وهي :
الأهلية: وتعني القدرة والكفاءة المطلوبين للقيام باعمال لها قيمة وأهمية في حياة الدولة و المجتمع، بحيث كل نقص او عيب يشوبها يترتب عنه أثر سلبي وتداعيات وخيمة.
الرعاية: ويقصد بها الاهتمام بالآخرين، وإظهار الرحمة، والعناية بهم.
الضمير : وهو أساسي لتحمل المسؤولية تجاه الآخرين، ويظهر ذلك من خلال تأدية القسم قبل تولي المسؤولية. وغالبا يرتبط الضمير بمراعاة القيم الاجتماعية السليمة، والتمسك بالقدوة المثلى.
التخصص : لكون الأعمال تتطلب الدراية القانونية أو العلمية والعملية او الفنية والتي يتطلبها الاتقان على الوجه الاكمل والأفضل، و تحقيق أفضل النتائج .
أما الحق فهو ما يجوز تملكه وهو منفصل عن المسؤولية التي تبقى كلها واجبات ، لكن هناك من يجمع بينهما ويعتبر المسؤولية فرصة للتملك و توسيع دائرة الحقوق، فتتم شخصنة المسؤولية و تتحول الى وسيلة للتصرف من منطلق شخصي يجيز استغلال المسؤول لمنصبه من أجل المرور الى حقوق يعتبر نفسه اولى بها في حين وجوده في المسوولية هو من اجل الآخرين.
وأما الحرية فتعني الاحساس بعدم التبعية لاية جهة، وهي أوسع من المسؤولية، وأحيانا نقيضتها بالمعنى السالف الذكر، لكن هناك من يعتبر المسؤولية حرية خاصة يعبر عنها بالاستقلالية في القيام بالمهام، وأنها فوق باقي انواع الحريات، بل ويتم استخدام المسؤولية بكل استقلالية وحرية ودون قيود لخدمة الأغراض الشخصية او للاضرار بالغير بدلا من إخضاعها لضوابط ومنهجية إعمالها كما سطر لها وبذلك تطغى السلطة على المسؤولية أكثر .
فالمسؤولية انواع ومنها :
– مسؤولية أخلاقية : وتتجلى مثلا في رعاية الوالدين والأبناء ومن يحتاجون دعماً في المجتمع مثل اليتامى والفقراء وكبار السن وغيرهم، الا ان هذا النوع من المسؤولية يخضع لطابع الالزام المعنوي فقط.
– مسؤولية مهنية: وتعني التزام الشخص بمهام وظيفته وتفانيه في عمله وتحقيق الأهداف التي تقتضيها بإخلاص عملا ببذل العناية او بتحقيق النتيجة، وذلك بحرصه على سير العمل بما يضمن عدم الخروج عن الضوابط المهنية التي قد يسطرها القانون او قد تكون قواعد عرفية مؤطرة.
– مسؤولية قانونية: و تعني تحمل الشخص للمسؤولية طبقا للقوانين والأنظمة وفق ما تقتضيه شروط بهدف المحافظة على النظام الاجتماعي، و تعرف بالمسؤولية القانونية، بحيث كل تجاوز لحدودها يعرض صاحبها للعقوبة طبقا لنفس النصوص التي تنظمها.
و المسؤولية اذا كانت شخصية فان الفرد يعتمد فيها على نفسه ويتحمل تبعات سلوكاته وآرائه، وتعاونه وتفاعله مع الآخرين.
واذا كانت جماعية فان المسؤولية يتقاسمها افراد الجماعة متضامنين.
وللمسؤولية آثار إيجابية تترتب عن تحملها كامتلاك المهارة في القيادة، و بناء الثقة بالنفس، و القدرة على رسم مسار الحياة دون خوف او تردد، والتحلي بالشجاعة التي تكسب احترام الآخرين. وامكانية الحصول على المزيد في درجة مسؤولية العمل والمهام، اذا كان الشخص مناسب لإدارة المهام أو المنصب، ويتمتع بكفاءة ويتحلى بمرونة دون التهرب مما قد يواجهه من مشكلات.
والمسؤولية وجدت للارتقاء بالمجتمع بعد تحمل التزامات العمل وإنجاز المهام والنهوض بالمؤسسة التي يرأسها أو يعمل داخلها المسؤول، ومنها النهوض بالقطاعات في المجتمع تحقيقا للرقي و الازدهار.
وتبقى المسؤولية المقرونة بالوازع الديني أفضل انواع المسؤوليات لأنها تشبه علاقة الجسد بالقلب الممتلئ بالإيمان فيقود صاحبه ايجابا ويملي عليه القيام بالمسؤوليات المفروضة عليه أحسن قيام.
و يولد لديه الرقيب، ويحذره من العواقب ويجنبه الاتكالية والاهمال و الكسل والمبالغة والغش.
فبناء العنصر البشري المسؤول هو جوهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمقياس حضارة وتقدم الشعوب و الدول يتم بمعيار القدرة على بناء الانسان المسؤول في كل مجالات الحياة فيتم القضاء على مظاهر الغش و الفساد و الفوضى بفصل الواجبات عن الحق وعن الحرية من جهة وحماية المسؤولية من تطاولها على الحقوق او الحريات، وعندما تسند المسؤوليات بهذا المعنى الى اصحابها الحقيقيين يقل صراخ المتضررين و تتغير مؤشرات التنمية نحو الافضل ويتطهر الوطن من الجريمة ويستنهض المجتمع قواه الانتاجية وتدخل الدولة مرحلة التنميط الذي يسهل عملية ضبط المسؤولية وتمييزها عن الحق وعن الحرية عبر تسهيل تجميع المطالب وتوجيهها عبر المدخلات والتجاوب معها بقرارات مناسبة تمثل مخرجات النسق والتحكم في البيئة و ردود الافعال و الآثار اللاحقة بما يسمح بأخذ الاحتياطات المناسبة.
*استاذ التعليم العالي بجامعة عبد الملك السعدي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمرتيل
رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات.

Exit mobile version