Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

المعارضة تشهر ملتمس الرقابة مجدداً.. خطوة تُربك حسابات الحكومة

عاد ملتمس الرقابة، أحد أخطر أدوات المحاسبة البرلمانية في النظام الدستوري المغربي، إلى واجهة النقاش السياسي، بعدما أعلنت المعارضة البرلمانية بمجلس النواب، عن بدء مسطرة تقديمه خلال الأسبوع المقبل، في خطوة تعكس توتراً متصاعداً في العلاقة مع السلطة التنفيذية، رغم إدراكها المسبق بغياب النصاب القانوني اللازم لإسقاط الحكومة.

وتأتي هذه المبادرة بعد عام على أول محاولة فاشلة في ظل الولاية التشريعية الحالية، عندما تقدّم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمبادرة دون أن ينجح في توحيد صفوف المعارضة خلفها، بسبب تباينات في التقدير السياسي، خاصة من جانب حزب العدالة والتنمية.

لكن المستجد هذه المرة، وفق ما كشفته مصادر برلمانية، هو التوصل إلى توافق مبدئي بين مختلف مكونات المعارضة على المضي المشترك في المبادرة، حيث انخرطت فيها المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، إلى جانب الفريق الاشتراكي، وفريقي التقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، وهو ما يمنحها زخماً سياسياً أكبر مقارنة بالمحاولة السابقة.

أداة دستورية بسقف سياسي محدود

من الناحية الدستورية، يُعد ملتمس الرقابة آلية مشروعة لمساءلة الحكومة ومحاسبتها، وفق الفصل 105 من الدستور، الذي يشترط توقيع خُمس أعضاء مجلس النواب لقبول تقديمه، ثم تصويت الأغلبية المطلقة على سحب الثقة من الحكومة. غير أن أستاذ القانون الدستوري عبد الرحيم العلام يرى أن “المعارضة لا تتوفر حالياً على النصاب، ما يجعل مصير الملتمس رهيناً بمفاجآت غير مرجحة من داخل الأغلبية”.

وبالرغم من هذا الواقع العددي، يضيف العلام أن اللجوء إلى ملتمس الرقابة “يحمل في طياته رسالة سياسية قوية”، تعبر عن تصعيد في لهجة المعارضة وتأكيد على أدوارها الدستورية، ولو في غياب فرص واقعية لإسقاط الحكومة.

تكتيك سياسي أم ضغط تفاوضي؟

يرى متابعون أن تقديم ملتمس الرقابة في هذه المرحلة يعكس استثماراً سياسياً في لحظة تتسم بارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي والانتقادات للسياسات العمومية، خصوصاً في مجالات الأسعار والدعم الاجتماعي، ما يمنح المعارضة فرصة لتأطير الغضب الشعبي ضمن قنوات مؤسساتية.

ويذهب بعض المحللين إلى اعتبار الخطوة بمثابة “تكتيك تفاوضي” لإعادة التوازن في المشهد البرلماني، بعد أن ظلت الأغلبية متماسكة في ملفات استراتيجية، بينما لم تنجح المعارضة في فرض إيقاعها داخل المؤسسة التشريعية، حتى في ملفات التحقيق وتقصي الحقائق، التي تتطلب النصاب ذاته.

تجارب سابقة ومآلات مماثلة

تاريخياً، سبق للمعارضة أن قدمت ملتمسي رقابة، أحدهما سنة 1964 ضد حكومة أحمد باحنيني، والثاني سنة 1990 ضد حكومة عز الدين العراقي، غير أن كليهما فشلا في بلوغ النصاب القانوني، رغم السياقات السياسية الحادة التي رافقتهما.

اليوم، تتكرر نفس المعطيات تقريباً: أزمة اجتماعية، معارضة منقسمة لكنها متحفزة، وحكومة تملك أغلبية عددية مريحة، ما يجعل احتمال إسقاطها عن طريق الملتمس شبه منعدم، ما لم تحدث تصدعات غير متوقعة داخل صفوف الأغلبية.

سياق داخلي متغير وضغط إقليمي متصاعد

تبرز هذه المبادرة في سياق يشهد نقاشاً متصاعداً حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، وسط مطالب بإعادة النظر في أولويات الإنفاق العمومي وتوسيع قاعدة المستفيدين من برامج الدعم، لا سيما بعد إصلاحات شملت صندوق المقاصة ومنظومة الدعم المباشر.

كما تأتي المبادرة في ظل ضغوط خارجية متزايدة، لا سيما بعد تجديد صندوق النقد الدولي خط الائتمان المرن للمغرب بقيمة 4.5 مليار دولار، ما يفرض على الحكومة الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات الدولية من جهة، وتجاه الشارع الداخلي من جهة أخرى.

ملتمس الرقابة: سلاح رمزي في معركة توازن السلط؟

في النهاية، يبدو ملتمس الرقابة أقرب إلى سلاح رمزي من كونه أداة فعالة لإسقاط الحكومة، لكنه يفتح الباب أمام معركة سياسية ذات أبعاد رمزية ودستورية، عنوانها الكبير “توازن السلط”، خصوصاً بعدما أصبح من المتعارف عليه في الممارسة السياسية المغربية أن الأغلبية البرلمانية تظل في الغالب حليفة ثابتة للحكومة، بينما تسعى المعارضة إلى فرض حضورها من خلال أدوات دستورية حتى ولو كانت نتائجها محدودة.

Exit mobile version