عاشت عدة مناطق من المغرب خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية على وقع اضطرابات جوية قوية، حيث هطلت أمطار غزيرة تسببت في فيضانات، وقطعت طرقاً، وعطّلت الدراسة في مؤسسات تعليمية، وأربكت الحياة اليومية للمواطنين، من مراكش حتى درعة-تافيلالت، مروراً بمدن الأطلس والجنوب الشرقي.
في مراكش، بدا المشهد صباح السبت أقرب إلى صور أرشيفية لكوارث طبيعية: مياه تغمر شوارع كبرى كشارع محمد السادس ومنطقة تارݣة وأحياء مثل العزوزية، وحتى أزقة المدينة القديمة لم تسلم من زحف المياه.
شبكة الصرف الصحي استسلمت بسرعة أمام غزارة التساقطات، فتحولت بعض الأحياء إلى برك مائية، فيما أظهرت مقاطع فيديو متداولة سيارات مغمورة حتى النصف ومنازل اقتحمتها السيول.
الوضع لم يكن أفضل في درعة-تافيلالت، حيث اجتاحت السيول طرقاً حيوية. في تنغير، انقطعت الطريق الإقليمية 704 عند مستوى جسر تيلوت، مما عزل المسافرين بين بومالن دادس ومسامير. كما تعطلت حركة المرور بين ورزازات وقلعة مݣونة على مستوى وادي عناتم، وسُجّلت انقطاعات مماثلة في محاور بين ميدلت وتنغير وأزيلال وإغيل نومݣون.
الأرقام الصادرة عن مديرية الأرصاد الجوية تكشف غزارة هذه التساقطات: 46 ملم في الحاجب، 36 ملم في إفران، 31 ملم في بني ملال، و23 ملم في مراكش.
ورغم الأضرار، كان للأمطار وجه مشرق، إذ ساهمت في رفع منسوب المياه في السدود، ليصل المخزون الوطني إلى 6.4 مليارات متر مكعب، بنسبة ملء بلغت 38.28%، مقابل 32.8% فقط خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ورغم امتلاء سدود كبرى مثل سد واد المخازن و الشريف الإدريسي وسدود حوض اللوكوس، تبقى الصورة قاتمة في مناطق أخرى، لا سيما حوض أم الربيع الذي لا يتجاوز معدل ملئه 10.5%، ما يعكس استمرار التفاوت في توزيع الموارد المائية.
في إقليم الرشيدية، كادت الكارثة تكون أكبر، بعدما جرفت السيول شاحنة صهريجية تنقل مواد قابلة للاشتعال في منطقة بوبيرنوس. لحسن الحظ، تم إنقاذ السائق ومرافقه دون إصابات. وفي مواجهة هذه الأحداث، سارعت السلطات إلى تعبئة آليات وزارة التجهيز لفتح الطرق واستعادة حركة المرور.
كما أعلنت المديرية الإقليمية للتعليم في ورزازات تعليق الدراسة مؤقتاً في عدد من الجماعات، أبرزها إمي نولاون، غسات، وتندوت، تحسباً لأي تطورات قد تهدد سلامة التلاميذ والأطر التعليمية.
الأمطار أنعشت الآمال في صفوف الفلاحين، خاصة في المناطق البورية، إذ يتوقع أن تنعكس إيجابياً على زراعات الربيع والأشجار المثمرة.
غير أن خبراء في البيئة، كأحمد طالحي، يرون أن التحدي أكبر من مجرد موسم ممطر، إذ يتطلب المغرب مراجعة عميقة لسياسات تدبير المياه وتسريع مشاريع تحلية المياه وتوسيع إعادة استخدام المياه العادمة.
فبين الأمطار المُنعشة والمشاهد المأساوية، يقف المغرب على مفترق طرق بيئي، لا خيار فيه إلا التكيف والابتكار، لمواجهة تقلبات مناخية لا تنذر بالرحمة دائماً.