Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

المغرب ــ إسبانيا أو قتل النموذج الاستثماري الفرنسي بالمغرب

محمد عفري

بالاتفاقية الاستثمارية الهامة والضخمة بين المغرب وإسبانيا في إطار اجتماع اللجنة العليا بين البلدين بالمغرب أول أمس، تكون الرباط ومدريد قد وقّعتا شهادة الوفاة للنموذج الاستثماري الفرنسي بالمغرب.
المنتدى الاقتصادي المغربي الإسباني، الذي تخلل الاجتماع الثنائي ضمن الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب، خلال هذه الأيام، يؤكد أن بروتوكول التمويل الجديد الذي تبلغ قيمته ثمانمائة مليون أورو لمشاريع إسبانية ــ مغربية بالمغرب يسير في اتجاه “قتل” الاستثمارات الفرنسية بالمغرب، وسط حديث صاخب عن انسحاب مستثمرين فرنسيين نافذين من قطاعات حيوية بالمغرب، وعلى رأسها قطاعات موكول تدبيرها بالتفويض إلى مقاولات فرنسية عملاقة، ضمن الحضور القوي للوكالة الفرنسية للتنمية خلال 30 سنة من الاشتغال بالمغرب، خصوصا إذا علمنا أن القيمة الإجمالية لتمويل الاستثمارات الفرنسية تحت إشراف هذه الوكالة بالمغرب، لم تتعدَّ سبعة إلى ثمانية ملايير أورو في قطاعات المياه والطاقة والنقل والزراعة، رغم أنها حاولت جاهدة الرفع منها ما بين 2017 و2021، وفق الأهداف التي تم تحديدها لها، والتي بلغت 2.2 مليار أورو من الالتزامات خلال هذه الفترة الخماسية.
العلاقات المغربية الإسبانية وفق النموذج الجديد الذي ألح عليه المغرب وأذعنت له إسبانيا لمصلحتها، جاءت من باب أنها، أولا، ضاربة في العمق التاريخي لعلاقات البلدين، وثانيا، مبنية على الإصرار الملكي السامي على بناء أي علاقة مغربية بالدول الصديقة والشريكة، بقوام المغرب المتكامل، الكامل السيادة على كل أراضيه بما فيها الأقاليم الجنوبية وبقوام الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء ونجاعة مشروع الحكم الذاتي ودعمه، وهو الشيء الذي أقدمت عليه إسبانيا وقدمته عربونا لبعث هذا النموذج الجديد من علاقاتها بالمغرب.
بالإضافة إلى كونه قادرا على إعطاء دفعة قوية لإسبانيا وعبرها باقي دول الاتحاد الأوروبي، فالنموذج الجديد للعلاقات المغربية الإسبانية قادر أيضا على توطيد علاقات جديدة للمفهوم الحقيقي جنوب- جنوب للمغرب وباقي أوروبا، في خارطة العالم لما بعد كورونا وفي آفاق ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وهو ما تفسره النية الصريحة للبلدين في جعل إسبانيا أول مستثمر أجنبي داخل المغرب بعدما ظلت هي ثالث أكبر مستثمر لعقود، في وقت تعتبر ثاني زبون في المبادلات التجارية.
إسبانيا تدرك جيدا أن المغرب في الوقت الراهن أصبح رقما صعبا لأي علاقة دولية ناجحة ومثمرة، نظرا لمكانته الجديدة في العالم، سواء بعلاقاته الدولية القوية، أو بتكتلاته الإقليمية والعالمية المتنوعة، وبموقعه الاستراتيجي، كبوابة إفريقيا المطلة عن قرب قريب على إسبانيا وعبرها على باقي دول الاتحاد الأوروبي، ونظرا لكونه جسرا قويا لكل الاستثمارات الدولية المختلفة والممكنة، في قارة تعتبر سوقا واعدا بملياري نسمة من المستهلكين.
القادة الإسبان بدورهم يدركون أيضا أكثر من غيرهم، أن بلدهم إسبانيا من موقعها، بوابة إلى الاتحاد الأوروبي، وفوق ذلك، يجعلها هذا الموقع حارسا أمنيا لباقي دول أوروبا، لذلك من مصلحتها أكثر من مصلحة المغرب في بعث هذه العلاقات بنموذج جديد، لا بد وأن يتعدى في بروتوكول اتفاقياتها مع المغرب، الجانب الاستثماري في قطاعات حيوية تفوق المياه والفلاحة والصيد البحري والنقل والخدمات والسياحة وغيرها إلى اتفاقيات للأمن والدفاع عن المصالح المشتركة، الشيء الذي يفسره الإقدام على توقيع أربع وعشرين اتفاقية بين البلدين في هذه المرحلة الجديدة من العلاقات الثنائية بقوام تقاسم الطموح ومفهوم حقيقي لرابح ــ رابح الشيء الذي يجعل عمق هذه العلاقات بنموذجها الجديد، لا ينهي النموذج الاستثماري الفرنسي بالمغرب بمعنى القتل، وإنما يجعلها علاقات تصب حقيقة في المصلحة.

Exit mobile version