Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

المغرب واندحار الفرنكوفونية

في مؤتمر الفرنكوفونية، الذي احتضنته مدينة جربة التونسية، كان الحضور المغربي بسيطا، حيث مثل المغرب موظف حكومي بسيط، بينما كانت مشاركاته السابقة بوفد هام جدا، لما كانت تمثله اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية أيضا عند كثير من شرائح المجتمع المغربي، لكن اليوم تشهد الفرنكوفونية تراجعا فظيعا، إذ خسرت ثلث مواقعها، كما شهد بذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يفضل الإنجليزية في كثير من أحاديثه الموجهة للخارج.
الفرنسية في تراجع فظيع، بل إن دولة مالي أصدرت قرارا خطيرا يقضي بمنع أية جمعية أو منظمة تتعامل مع الفرنسيين أو تحصل على الدعم الفرنسي، وهذا بالنظر إلى التراجع الذي تعرفه فرنسا عالميا حتى داخل معاقلها الرئيسية، وكثير من المجتمعات تنظر اليوم إلى اللغة الفرنسية كلغة ثقافة وإبداع كما كانت، لكنها ليست لغة العلوم والتقنيات والتواصل.
اليوم أي تواصل في العالم يتم عبر الإنجليزية كلغة مهيمنة حاليا، ولا تتخذ أية لغة مكانتها إلا بما تقدمه من مصلحة للمجتمعات البشرية، والإنجليزية اليوم كميراث استعماري قديم تعتبر اللغة الجامعة التي يكاد كل العالم يتحدث بها، بما يعني أنها هي اللغة القريبة من المصلحة اليوم، ولا تواصل دون تحقيق مصلحة اقتصادية أو معرفية بينما الفرنسية يمكن أن تكون فقط لغة متعة.
المغرب شرع منذ مدة في هذا التوجه بعد بداية تدريس الإنجليزية في الإعدادي ولم يعد الأمر مقتصرا على التاسعة فقط بل سيمتد إلى كافة المستويات، كما أن أغلب المؤسسات التعليمية الخاصة تقوم بتدريسها من الابتدائي، كما يوجد اهتمام كبير باللغة الإنجليزية في الجامعة وفي البحوث العلمية، بما يدل على التراجع الكبير للفرنسية.
المعضلة في المغرب هي وجود نخب مرتبطة بالفرنسية وكأنها الحليب الذي رضعته وبالتالي ما زال أي تغيير وتوجه نحو اللغات الحية في وقت لم تعد الفرنسية إلا لغة قديمة لأن اللغات الحية هي لغات المصلحة العلمية.
الواقع لا ينبغي الاحتجاج على فرنسا لأنها تقوم بتخفيض نسبة الحصول على التأشيرات لحد أدنى، ولكن ينبغي مقاطعة فرنسا، وهنا نحن نتحدث عن المجتمع، ولا تعنينا الاتفاقيات التي تتم بين الدول وتقتضي احترام المعاهدات والاتفاقيات، ولكن كثير من الراغبين في السفر ليسوا مضطرين للذهاب إلى فرنسا، فلماذا هذا الحرص الشديد على الذهاب إلى هذه البلاد.
إن اندحار الفرنكوفونية، الذي اعترف به الرئيس الفرنسي، وهو رئيس الدولة الراعية لهذه النحلة اللغوية والثقافية، له معنى عميق، وهو رسالة إلى المتشبثين بفرنسا، أي إنها لم تعد تلك الدولة التي يمكن التمسك بها، فقد فقدت بريقها، ولم تعد لغتها “توكل الخبز” كما يقال مغربيا بمعنى أنها ليست لغة مصلحة وينبغي التعامل معها اليوم كالتعامل مع باقي اللغات التي ليست إجبارية.
غير أن الملاحظ هو رغم محاولة المجتمع الهروب من الفرنكوفونية فإن نخب الحكومة ما زالت متشبثة بتلابيبها.

Exit mobile version