Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

 المغرب وكرة القدم.. حين تتحول الرياضة إلى رافعة استراتيجية لتنمية الدولة

ليس مستغرباً أن يجد المتابع نفسه مندهشاً من حجم الرهانات التي باتت المملكة المغربية تضعها على كرة القدم، لكن المفاجئ أكثر هو كيف تحوّل هذا الشغف الشعبي إلى استراتيجية دولة مدروسة، عابرة للوزارات والمجالس والولايات، هدفها ليس فقط بلوغ الأدوار النهائية في المونديالات، بل هندسة صورة بلد صاعد يعرف ماذا يريد، ومتى، وكيف.

صحيفة “ليكيب” الفرنسية، التي لا يمكن اتهامها بالمجاملة أو المجاملة الدبلوماسية، أفردت مساحة معتبرة للحديث عن المغرب، ليس فقط كبلد يتأهب لتنظيم كأس العالم 2030، بل كقصة نجاح في تحويل الرياضة من مجال هامشي إلى سياسة عمومية محورية. فخلف إنجازات منتخب “الأسود” في مونديال قطر، يقف استثمار مدروس، عميق، ومبكر في البنيات التحتية، يؤكد أن بلوغ المربع الذهبي لم يكن محض صدفة.

مركب محمد السادس لكرة القدم بسلا، الذي وصفته الصحيفة بأنه أشبه بمدينة كروية متكاملة، يمثل حجر الزاوية في هذه المقاربة. يمتد على مساحة شاسعة، ويمزج بين التكوين الرياضي، والإقامة، والرعاية الطبية، وحتى الاستعمال المؤسسي الدولي، إذ ستتخذ بعض أقسام الفيفا من هذا الفضاء مقراً لها. هذه التفاصيل ليست للزينة الإعلامية، بل تعكس فهمًا استراتيجيًا لدور المرفق الرياضي كمركز إنتاج، لا فقط كمجال تدريب.

وإن كانت سلا تمثل النواة الأكاديمية والفنية، فإن طنجة، بملعب ابن بطوطة، تقدم الوجه الآخر: مسرح التتويج والفرجة الكبرى. فقد أصبح هذا الصرح اليوم مشروعًا في طور التوسعة والتحسين، ليس فقط من حيث الطاقة الاستيعابية أو المظهر الجمالي، بل كترجمة عملية لمعايير الفيفا التنظيمية. وتخصيص أكثر من 340 مليون يورو لإعادة تأهيله، في ظرفية اقتصادية عالمية صعبة، يؤكد أن الرهان أكبر من مجرد استضافة مباريات.

هذا الاستثمار الرياضي لا يمكن فصله عن السياق الأشمل الذي اختاره المغرب لنفسه منذ سنوات: مزاوجة القوة الناعمة بالتموقع الدولي. فالرياضة، وكرة القدم بالخصوص، باتت منصة لإبراز الاستقرار، وجذب الاستثمارات، وتحفيز السياحة، وحتى تليين العلاقات الدبلوماسية.

من المثير أيضًا أن المغرب اختار التدرج وعدم التسرع. فقبل أن يفتح أبواب المونديال، سيخضع قدراته لمحكّين هامين: كأس إفريقيا للسيدات، ثم النسخة الرجالية بداية العام المقبل. هما بمثابة “بروفة” كبرى، ونافذتان لاختبار الجاهزية التنظيمية، والأهم من ذلك، تقديم صورة متكاملة عن قدرة المملكة على احتضان أكبر التظاهرات الكروية بثقة واقتدار.

في الخلاصة، ما تقدمه المملكة اليوم ليس فقط استثمارًا في العشب والخرسانة، بل في المستقبل. كرة القدم، التي لطالما اعتُبرت مجالاً للتسلية، تحوّلت في الحالة المغربية إلى مدرسة في التخطيط، ورسالة في الدبلوماسية، وأداة من أدوات التنمية المستدامة. والمثير، أن هذا النموذج لا يقدّم نفسه كمنجز مكتمل، بل كمشروع مفتوح على التحسين والتطوير، من أجل موعد 2030 الذي بات أكثر من حلم… بل مهمة وطنية.

Exit mobile version