الدار البيضاء تتنفس شغفًا، ويزهر قلبها النابض بكرة القدم من جديد. المركب الرياضي محمد الخامس، جوهرة الزمن الكروي المغربي، يعود إلى الأضواء أكثر بهاءً وأناقة، بعد أن خضع لواحدة من أضخم عمليات التحديث التي عرفها ملعب مغربي.
واليوم، السبت، سيكون المسرح مفتوحًا على مصراعيه، في تمام الثامنة مساء، ليحتضن الديربي الذي تنتظره الجماهير بشغف لا يُوصف بين الرجاء والوداد، برسم الجولة 26 من البطولة الوطنية الاحترافية “إنوي”.
لكن هذه المرة، الديربي ليس مجرد مواجهة رياضية، بل هو لحظة تاريخية، عنوانها “الانبعاث”.
في قلب الدار البيضاء، حيث يلتقي الحنين بالتجديد، ارتدت هذه المعلمة الرياضية العريقة حلة جديدة تليق بتطلعات وطن يكتب تاريخه الحديث بثقة وجرأة.
مشروع التجديد لم يكن مجرد ترميم، بل كان ولادة جديدة لملعب اختزن ذاكرة أجيال وأصوات جمهور لا يهدأ.
أزيد من 45 ألف مقعد جديد، مقصورة إعلامية متطورة، نظام صوتي متقدم، منظومة مراقبة بالكاميرات والولوج بمعايير عالمية، نفق مركزي للاعبين، مناطق مختلطة، عشب هجين من الجيل الجديد، إضاءة تضاهي ملاعب أوروبا الكبرى، وشاشات إعلانية ذكية… كل شيء هنا يعكس فلسفة متكاملة: المغرب لا يُقلد، المغرب يُبدع.
الداخل والخارج، التفاصيل كلها خضعت لعناية خاصة: من الأرصفة المشذبة، إلى المساحات الخضراء المهيأة بعناية، مرورًا بموقف السيارات المخصص لكبار الضيوف، وحتى قاعات الندوات المجهزة بأحدث التقنيات.
كل زاوية في المركب تروي قصة وطن اختار أن يكون في الصفوف الأمامية، لا على الهامش.
هذا الإنجاز ليس معزولًا. إنه لبنة أخرى في صرح رياضي متكامل، يقوده برؤية استراتيجية سامية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من البنية التحتية الرياضية دعامة أساسية في مشروع وطني طموح.
رؤية تُمهّد الطريق لاستقبال تظاهرات عالمية كبرى، من قبيل كأس الأمم الإفريقية 2025، وكأس العالم 2030، بتنظيم مشترك مع إسبانيا والبرتغال.
ما يجري اليوم في المركب الرياضي محمد الخامس، يجري مثله في الرباط، وبنسليمان، وطنجة، وفاس، ومراكش، وأكادير… مدن تتحول شيئًا فشيئًا إلى محطات رياضية مرجعية، تراعي أدق معايير الـ”فيفا” و”الكاف”، وتؤسس لمغرب لا يكتفي بالمشاركة، بل ينافس على الريادة.
هكذا يكتب المغرب فصلاً جديدًا من ملحمته الرياضية. بلد يُراهن على شبابه، يحتضن أحلامه، ويجعل من الملاعب مساحات للأمل، ومن الرياضة جسورًا للمستقبل.