محمد عفري
في الشدة كما في الرخاء المواطن المغربي، “العادي” بالخصوص ضحية. ضحية قرارات طبعا. القول ليس من وارد الحكم الشعبوي الجاهز، لكن الواقع يؤكد ذلك. بمعنى آخر، أن المواطن هو آخر من تفكر فيه الحكومات. هو محط تفكيرها، فقط عندما يتعلق الأمر بالانتخابات.
منذ حلول حكومة أخنوش على رأس السلطة التنفيذية قبل قرابة مائة وعشرين يوما والمواطن يعاني من ارتفاع الأسعار.
ورثت هذه الحكومة وضعيةً مشوبةً بتداعيات وباء كورونا على الاقتصاد الوطني؛ هذا صحيح. ورثت أيضا، قانونَ ماليةٍ مجحفًا في حق المواطن بالعديد من الضرائب على بعض المواد الاستهلاكية، لكنها جاءت (الحكومة) بقانون مالية أكثر إجحافا، مِلْؤُه الزيادةُ في الضرائب وإحداث ضرائب أخرى، كان من الضروري أن تتولَّد عنها زياداتٌ في الأسعار.
أذكر، كما يذكر المواطنون أنه في عز مرحلة الانتخابات الأخيرة، والمغاربة منشغلون بـ”عمى” الألوان الحزبية التي سيضعون فيها ثقة تدبير شأنهم على أكمل وجه، سجلت مواد استهلاكية ضرورية ارتفاعًا في الأسعار. بعد الانتخابات، أيضا، تم تسجيل ارتفاع في ذات المواد وفي أخرى، أمام صمْت رهيب للسلطات واستغراب للمواطنين وانعدام لبلاغات “تبريرٍ” من الحكومة إلى الرأي العام، لتفسير الوضع وذِكْر الأسباب، رغم أن لِذات الحكومة ناطقًا نموذجًا في الخَطابة والإقناع.
في قرارات رفْع الأسعار، تتستر الحكومة غالبا وراء سبب سالب، هو أسعار المحروقات التي ظلت تتسلق سلالم الارتفاع في محطات الوقود المغربية. من يتحدث عن المحروقات وأسعارها، يفهم كلفة نقل البضائع وشحْنها بين المدن وداخلها، وتأثير ذلك على الأثمان بين الموزعين والمضاربين وتجار الجملة وباعة التقسيط، إلى آخر حلقة من هاته السلسلة، التي هي المستهلك ــ المواطن..
الحقيقة أنه بالعودة إلى سنوات قلائل إلى الوراء، أيام اشتداد الحرب ضد ما يسمى بـ”داعش”، وما عرفته منطقة الشرق الأوسط من توترات بسبب هذه الحرب، عاش السعر الدولي للبترول على إيقاع الانخفاضات، ومع ذلك ظلّت الفاتورة المغربية لواردات الطاقة، وعلى رأسها المحروقات مرتفعةً، بل، مع ذلك، ظل السِّعر الوطني لذات المحروقات في محطات التوزيع والبيع مرتفعًا، وصاحبه الجدل الواسع للتسقيف الذي استقر قرارا لم يكن في صالح المواطن.
اليوم، وموجة ارتفاع الأسعار مستفحلة، تغيب حكومة أخنوش عن المشهد مطْبقة الصمت، والخبراء الاقتصاديون يبررون أن هذه الموجة مردها إلى موجة تضخم عالمية بلغت نسبتها 3.8 في المائة، وإن كان وطنيا معدل هذا التضخم لا يتجاوز 1.7 في المائة، وهو الأفضل في شمال إفريقيا.
إن أخذنا بهذا السبب، كان ينبغي على الحكومة وضعُ المُواطن، على الأقل، في الصورة، بمعنى إخباره والعمل على تحسيسه بصفته مستهلكًا، أي تثقيفه العابر أو “المناسباتي”.
هناك من يقول (خبراء كذلك) إن الموجة العالمية مؤقتة وستتراجع إلى الانخفاض. لكن السؤال هل ستعود أسعار زيت المائدة مثلا إلى سابق عهدها. كلا!
من باب المستحيلات أن تتراجع الأسعار، إذ لم يسبق في تاريخ المغرب أن كانت حكومة معينة عادت في قرارها المتعلق بالزيادة في الأسعار. السبب واضح، القرار مرتبط بقانون مالية 2022 ومثبت فيه، وهو القانون الذي كان مجرد مشروع، لكن صوَّت لصالحه البرلمانُ، أي ممثلو الأمّة الذين “اختارهم” الناخبون.
إن لم تكن الموجة العالمية لارتفاع الأسعار “مِشْجبا” تعلق عليه الحكومة وخبراؤها ارتفاع الأسعار وطنيا، فإن موجة التغيُّر المناخي والجفاف هذا الموسم، عالمية أيضا، لم تسلم منها غالبية دول المعمور، فمن الأكيد أنّ ندرة التساقطات المطرية بالمغرب، إيذانٌ بموسم فلاحي قاحط، ستَكون سببًا آخرَ ستركبه الحكومة لموجة أخرى من ارتفاع الأسعار، تنتظر المواطن في مقبل الأيام والشهور.
المُواطنُ آخر من تفكر فيه الحكومة..
