Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

النموذج التنموي…المغرب ومنهجية استشراف المستقبل

التقرير الذي قدمه شكيب بنموسى أمام جلالة الملك محمد السادس، المتعلق بالنموذج التنموي، يكتسي أهمية كبرى ليس من مضامينه فقط ولكن أيضا مما يطرحه من إمكانات للتطلع للمستقبل. تقرير من 150 صفحة مركزة يحتاج إلى قراءة دقيقة ومتأنية قبل إصدار الحكم بشأنه، سواء بالسلب أو بالإيجاب، وهذا حق لكل حزب وهيئة ومواطن، لكن القراءة السريعة توحي بأن هناك شيئا جديدا محيطا بالعملية برمتها.
أول مرة يتوفر المغرب على تقرير مبني على الاستطلاع والقراءة والاستشراف. وهي ثلاثة عناصر نراها مكونة للتقرير، فقد اعتمد أولا على استطلاع الآراء، ليس من أجل الاستئناس ولكن من أجل بناء معرفة بالواقع، وهكذا تم الاستماع بشكل مكثف لـ31 حزبا سياسيا وعشرات الجمعيات المدنية، كما قامت بأكثر من 900 زيارة ميدانية وتواصلت مع أكثر من 9700 مواطن من خلال الموقع الرقمي واستمعت إلى الفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد الاستماع جاء دور القراءة التي كان دورها هو ترتيب النتائج ومعرفة خلفياتها وانعكاساتها على التنمية المجتمعية، ويمكن القول إن اللجنة تدخلت فقط بالوسائل التي وضعتها للقراءة، وتفاعلت مع كل كلمة أو معلومة سمعتها من حزب أو جمعية أو فاعل أو مواطن عادي حيث استمعت للكبير والصغير، وفق منهج سوسيولوجي، وتوصلت إلى خلاصات على ضوئها يتم استشراف المستقبل.
وكان ملحوظا أن القراءة المتأنية للواقع وصلت إلى اعتبار أنه لم يعد هناك من يعول على القادة السياسيين، لكن ينبغي الاحتياط في مثل هذه الأحكام، لأن دور الفاعل السياسي في العملية الديمقراطية مركزي، ولا يمكن تصور نموذج تنموي متقدم دون نموذج ديمقراطي يقف على أرضية المنافسة والاختيار الحر والمحاسبة من وراء ذلك.
لكن عدم الرغبة في تبخيس العمل السياسي لا يعني بتاتا السكوت عن اختلالاته التي تحولت في كثير من الأحيان إلى عقبة في وجه التنمية، ويكفي عشر سنوات من التدبير الحزبي للشأن العام لمعرفة أن الفاعل الحزبي عليه أن يغير نهجه، لأنه يفهم أحيانا التنمية بالمكاسب التنظيمية والعائلية، ونموذج يريد أن يصنع المستقبل لا بد له من قادة للمستقبل بما يتطلب تغييرات جوهرية في القيادة السياسية، فقد يثق المواطن غدا في الحزب بعد أن تتغير الوجوه التي لم يعد يثق فيها.
فالنموذج التنموي ليس جملا إنشائية ولا أدوات للتعبير يمكن أن تتضمنها برامج الأحزاب السياسية، ولكنه العنوان المؤطر للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والتنموي ببلادنا، حيث لا يقف عند مرحلة التشخيص ولكنه يقترح التصورات الكبرى للمغرب خلال 15 سنة المقبلة، وهذا هو المغرب المتفق عليه أو هذا مفهوم الإجماع في العشرية الثالثة من القرن الأول للألفية الثالثة، بما يعني أن الأحزاب السياسية غير معفية من إنتاج البرامج السياسية والانتخابية، عبر استلهام مفاهيم هذا العنوان الكبير الذي اسمه النموذج التنموي.

Exit mobile version