Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

النيابة العامة تطلق برامج تكوين القضاة وضباط الشرطة لمكافحة جرائم الأموال

دعا محمد النباوي رئيس النيابة العامة، قضاة النيابة العامة و ضباط الشرطة القضائية، الى ” التعرف على كيفيات وضع الميزانيات، وعلى أنظمة الصفقات العمومية، ومساطر صرف ومراقبة المال العام، و الإلمام باختصاصات ومهام المؤسسات الدستورية والإدارية ، لاكتساب مهارات في مجال البحث والتحري من أجل المتابعة عن الجرائم المالية المختلفة، ولاسيما الرشوة واختلاس وتبديد المال من طرف الموظفين، والغدر واستغلال النفوذ.
وأعتبر محمد عبد النباوي الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، على أن برنامج تكوين القضاة وضباط الشرطة في مجالات الجرائم المالية، يتضمن مبدئيا أربع دورات خلال الأشهر المقبلة، سيساهم فيها بالإضافة إلى قضاة النيابة العامة وبعض الخبراء الآخرين، فعاليات متخصصة من المجلس الأعلى للحسابات، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ووحدة معالجة المعلومات المالية، ومن الخزينة العامة للمملكة والمفتشية العامة لوزارة المالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمختبر الوطني للتجارب والدراسات (LPEE). وستنضاف إليهم كفاءات أخرى من القطاعات الأخرى ذات الصلة بحماية المال العام، أو بتقنيات البحث والتحري أو بتدبير أنظمة الصفقات العمومية، وبطبيعة الحال قضاة وضباط للشرطة القضائية، وإن اقتضى الحال خبراء وطنيون أو دوليون آخرون.
وشدد عبد النباوي، على أن الغاية من هذا التكوين هو تأهيل الضباط و القضاة لمواجهة هذا النوع من الإجرام الذي يمتاز بالتعقيد، وينجز بوسائل احتيالية تنبع عن دهاء كبير. وبطبيعة الحال، فإن الفقه القانوني يصف الجناة الذين يرتكبون هذا النوع من الجرائم “بذوي الياقات البيضاء” لاختلافهم عن أغلب المجرمين الذين ينتمون لأوساط اجتماعية دنيا، فإن أغلب المتورطين في الجرائم المالية ينتمون لأوساط اجتماعية راقية، ويحتلون مكانة متميزة في محيطهم، وبعضهم يكونون من القادة والمسيرين، مما يفترض أنهم موهوبون وأذكياء قد تنحرف نظرتهم إلى الصالح العام، فيستغلون ذكاءهم ومواهبهم للاستيلاء على الأموال العامة أو الخاصة، وللاغتناء غير المشروع. وبطبيعة الحال فإنهم يجتهدون في إخفاء معالم جرائمهم، مما يُصَعِّب مهام الباحثين الجنائيين والقضاة لاكتشافها وإثباتها. ولذلك فإن التكوين المتخصص، قادر وحده على إيجاد الأجوبة المناسبة للمخالفات المالية. وأن التكوين المستمر والمتخصص لضباط الشرطة القضائية وقضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الأحكام بأقسام الجرائم المالية يعتبر ضرورة حقيقية لربح الرهان.
وشدد عبد النباوي، على دور القضاة وضباط الشرطة القضائية، في كون محاربة الفساد ليس ضرورة اجتماعية وقانونية فقط، ولكنه تنفيذ لمقتضى دستوري، ولحق من حقوق الإنسان التي تجمع عليها الإنسانية، كما تبنته الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، لما له من تأثير على تمتع المواطن والإنسان بالحقوق الأخرى المخولة له شرعاً وقانوناً. ولذلك فإن تكوينكم على مهارات البحث والتحري في الجرائم المالية، والرفع من قدراتكم لاستيعاب سلوكات المخالفين وحل ألغازها، لا بدّ أن يتقيد باحترام قرينة البراءة، والمساطر القانونية المشروعة. فالبحث في الجرائم وإثباتها لا يمكن أن يتم عن طريق خرق قواعد المحاكمة العادلة، وعدم مراعاة الضمانات القانونية للمتهمين والضحايا والشهود على حد سواء.
واعتبر عبد النباوي، أن القيام بواجب التصدي لجرائم الفساد وحماية المال العام أو الخاص، لا يجب أن يتأثر بالنقاشات المجتمعية التي تتم في الفضاءات العامة، ومن بينها الفضاء الأزرق، إلاّ عن طريق التحري القانوني، والبحث عن الحجج والإثباتات المشروعة. فقرينة البراءة تفترض أن كل مشتبه فيه أو متهم يعتبر بريئا .. إلى أن تسقط براءته عن طريق إثبات التهمة بالوسائل المشروعة، في محاكمة عادلة منصفة ومحايدة، لا تؤثر فيها العواطف ولا الرغبات، ولا النوازع الشخصية. إنّها مهمة صعبة، ولكنها جوهر العدالة التي نحن جميعاً مؤتمنون عليها خلال قيامنا بمهامنا.
وأوضح عبد النباوي، أن واجب العدالة، المسطر لها بمقتضى الدستور والقانون وتوجيهات جلالة الملك، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو التصدي للفساد ومحاربته بالآليات القانونية، وعليها أن تطور مهارات القضاة وباقي مكونات العدالة للقيام بهذه المهمة .. وهي مهمة مستمرة في الزمان حتى يتم التغلب على الفساد، وتعم مظاهر دولة الحق والقانون والمؤسسات التي رسمها جلالة الملك ووجه أعضاء النيابة العامة إلى العمل في إطارها إلى جانب باقي سلطات الدولة.
وأفاد المسؤول القضائي، على الدورات التكوينية التي أعدتها رئاسة النيابة العامة لفائدة السادة قضاة النيابة العامة بالأقسام المختصة بالجرائم المالية بمحاكم الاستئناف بالرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس، وضباط الشرطة القضائية المكلفين بالبحث في هذا النوع من الجرائم، تأتي استجابة لما أفرزه واقع الحال من معاينات، تتجلى على الخصوص في مرور مدَّة طويلة، تجاوزت ثمان سنوات، عن أول تكوين جاد استفاد منه أعضاء النيابة العامة وقضاة أقسام الجرائم المالية المذكورة، وتبين بعده أن عدداً من بينهم غادروا هذه الأقسام وخلفهم قضاة آخرون لم ينالوا حظهم في تجديد معارفهم القانونية، والتعرف بدقة على المستجدات التي صاحبت تطور الإجرام المالي. كما تتجلى في تجديد الترسانة القانونية، وكذا في ازدياد اهتمام الرأي العام الوطني والدولي بضرورة مكافحة جرائم الفساد، ومطالبه المستمرة لأن يضطلع النظام القضائي بدور أكبر في حماية المال العام ودعم قيم الشفافية والنزاهة الإدارية، ومراقبة تساوي الفرص وتشجيع الاستثمار، والمبادرات الحرة المدرة للدخل بما توفره من فرص للشغل ولإسهاماتها في التنمية البشرية، إلى جانب السلطات الأخرى والمؤسسات الدستورية المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بهذا المجال.
واعتبر عبد النباوي، أنه ” إذا كان الفاعلون في ميدان العدالة، معنيون بالنقاش القانوني المتعلق بتحديد صفة “الموظف” التي تعتبر مناط اختصاص أقسام الجرائم المالية الأربعة، مما يُعطي للاجتهاد القضائي دوراً حاسماً في تأويل مقتضيات الفصل 124 من القانون الجنائي في تعريف الموظف بالنسبة لتطبيقات هذا القانون. فإن دور الاجتهاد القضائي، لا يقل أهمية بالنسبة لتحديد أركان جريمتي الاختلاس وتبديد المال. ولاسيما حينما يتعلق الأمر بالمال العام. وذلك من أجل التمييز بين التصرفات التي تعتبر اختلاساً وتبديداً، يطبق عليها النص الجنائي، وبين التصرفات الأخرى المشابهة التي تعتبر مجرد مخالفات لقواعد التدبير المالي والمحاسباتي تختص بها المحاكم المالية، ولا تصل إلى درجة خرق قواعد القانون الجنائي. كما أن المهتمين بالموضوع يسعون إلى بلورة تصورات واضحة بالنسبة لتطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بحجز الأموال وتجميدها ومصادرتها، وغير ذلك من الإشكاليات التي، لا بد أن تحضى بالقدر الواجب من النقاش خلال هذه الدورات التكوينية”.

Exit mobile version