على امتداد خريطة المملكة، تنهمك أزيد من 300 مركز تصحيح منذ مطلع هذا الأسبوع في تقييم أوراق امتحانات البكالوريا، وسط أجواء استثنائية هذا العام بفعل تعميم نظام الرقمنة.
يوم أمس، وفي الثانوية التأهيلية الفارابي بإقليم النواصر، وقفنا على التفاصيل الدقيقة لعملية التصحيح: عشرات الأساتذة، دفاتر الامتحانات في أيديهم، وشاشات الحواسيب التي أصبحت الرفيق الجديد لتلك الأوراق التي كانت تُصحَّح يدويًا بالكامل حتى وقت قريب.
يشارك في هذه العملية قرابة 43 ألف أستاذ مصحح، جرى تعبئتهم بعناية ليضمنوا إنجاز التصحيح في ظروف آمنة ومنصفة. الدورة الحالية – دورة ماي 2025 – شهدت مشاركة 443 ألفًا و769 مترشحًا، سجلت نسبة حضور مرتفعة بين الممدرسين (96.9%)، في حين بلغت نسبة حضور الأحرار 63.6%، ما يعكس حجم الرهان الوطني على هذه الشهادة.
“كل شيء يبدأ من هنا”، يقول مصطفى شاوشي، المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالنواصر. يشير شاوشي إلى قاعة صغيرة لكنها شديدة التأمين، حيث توضع الأظرفة التي تصل من الأكاديمية الجهوية بعد كل امتحان. لا أحد يفتحها إلا عند انطلاق التصحيح. “العملية تخضع لضوابط صارمة لضمان تكافؤ الفرص”، يضيف شاوشي.
الرقمنة غيرت المشهد جذريًا، يشرح لنا محمد العامري، مدير مركز التصحيح بالثانوية ذاتها. بعض المواد التي كانت تستنزف أكثر من أسبوع لتصحيحها، صارت تُنجز الآن في غضون يوم إلى يوم ونصف. “هذا التحول يعني الكثير: وقت أقل، موارد بشرية أكثر فعالية، وتصحيح أكثر دقة”، يؤكد العامري، الذي بدا مرتاحًا لهذا التطور.
الأستاذة عائشة الشاب، وهي واحدة من المصححين الذين انتقلوا من التصحيح اليدوي إلى الرقمي، تقول إن النظام الجديد سهّل مهمتهم بشكل كبير: “أصبح بإمكاننا إدخال النقط مباشرة بعد إنهاء التصحيح، دون وسيط، وهذا يقلل الأخطاء ويوفر وقتًا ثمينًا”.
تسهم هذه المقاربة الجديدة في ضبط كل تفاصيل العملية؛ من التصحيح التجريبي داخل لجان المصححين، للتأكد من توحيد الفهم، إلى المراقبة الصارمة لمساطر الإنجاز، بحيث يلتزم كل مصحح بالمعايير نفسها، فيتحقق الإنصاف للجميع.
وهكذا، بينما يترقب آلاف التلاميذ والأسر موعد الإعلان عن النتائج يوم 14 يونيو الجاري، تبدو المنظومة التربوية ماضية في تحديث نفسها، خطوة بخطوة، نحو زمن رقمي يحفظ للامتحانات هيبتها، ويضمن لتصحيحها النزاهة والدقة.