إدريس عدار
الدعوة إلى طلب العلم في الصين قد تتجاوز الرحلة، التي لم تعد متعبة، إلى اقتفاء أثر النموذج. اليوم هذه الصين تشبهنا في كثير من الأمور. هي مجتمع شرقي يقاوم ثقافة الغرب. ونحن مجتمعات يراد لها أن تكون غربا وهي ليست كذلك. نموذج في التفاني. قوة في العلم والعمل. تواضع جيوبوليتيكي محير. قد تحمل سلام الشرق في كل مكان تصل إليه.. الصين مختلفة في كل شيء. اُنظروا إلى نظامها السياسي. حتى لما انهار النموذج الشيوعي التفّت الشيوعية الصينية على غطرسة الرأسمالية وكادت تبتلعها بل طوّقت عنقها بقوة.. بعد رعاية الحرب الطويلة من قبل الغرب.. قد يتولى الشرق رعاية السلم.. تحدث جي جي كلارك عن التنوير القادم من الشرق فلماذا لا نتحدث عن السلم القادم من الشرق..
يقول دانيال بيل مؤلف كتاب “نموذج الصين… الجدارة السياسية وحدود الديمقراطية”، تبدو الجدارة السياسية ويقصد بها فكرة أن النظام السياسي يجب أن يهدف إلى اختيار وترقية قادة ذوي قدرات وفضائل عالية، مريبة عند سماعها للمرة الأولى. ويشار في هذا الخصوص إلى أن كلا من أفلاطون وكونفوشيوس دافعا عن شكل من أشكال الجدارة السياسية التي تستبعد بالفعل الأغلبية من السلطة السياسية. وعلى الرغم من ذلك لا أحد يدافع في الوقت الحالي عن فكرة إقامة نظام جدارة سياسية بشكل خالص، لسبب وحيد هو أنه سيكون صعبا للغاية إقناع الشعب بأنه يلزم استبعاده تماما من السلطة السياسية (ص 203).
ويرى أنه يمكن أن ندرك أن الجدارة السياسية هي أيضا شيء جيد، فالقادة السياسيون لديهم سلطة علينا، ولا يوجد أي شيء عقلاني يرغب في أن يُحكم من قبل حاكم غير كفء يفتقر إلى الفهم الأساس للقضايا الرئيسة التي يجب التعامل معها في صنع السياسة (ص 204).
ولخّص الكاتب نماذج الجدارة الديمقراطية في ثلاثة: الأول، نموذج يجمع بين الديمقراطية والجدارة على مستوى الناخب، والثاني، نموذج أفقي يجمع بين الديمقراطية والجدارة على مستوى المؤسسات السياسية المركزية، والثالث، نموذج رأسي تكون فيه الجدارة السياسية على مستوى القيادة المركزية والديمقراطية على المستوى المحلي. ويميل إلى النموذج الثالث، وهو فعلا نموذج قادر على الجمع بين نموذج الجدارة السياسية والديمقراطية الانتخابية، في سياق لا يفرط في حق المواطن في المساهمة في اختيار من يحكمه، لكن يضع مسالك ضيقة لإنتاج النخب السياسية، التي تعتبر في الديمقراطية الانتخابية مفتوحة في وجه الجميع، حتى إنها يمكن أن تفرز لك نخبا لا تملك أية كفاءة تخولها ممارسة السلطة السياسية.
لقد أخذت الديمقراطية الانتخابية مكانة مقدسة تقريبا في المجتمعات الغربية الحديثة، وإذا كان في الإمكان التشكيك في الإيمان بالله من دون أن نُتّهم بأننا فقدنا البوصلة الأخلاقية، فإن التسامح نفسه لا يتوافر لأولئك الذين يشككون في الإيمان بقاعدة “شخص واحد، صوت واحد” حيث يُتهمون بأنهم مدافعون عن الأنظمة السلطوية “السيئة” بشكل يكاد يكون حتميا (ص 39).
فالفهم الميكانيكي للديمقراطية، يتركز على عنصرين، الأول يعتبرها نظاما للحكم، والثاني هي أداة لإقامة العدالة، وبما أن النظر يتجه نحو نمط ونظام الحكم تتحول الديمقراطية رويدا رويدا نحو نموذج ثابت أو حتى إلى دين.
ليست الديمقراطية نظاما للحكم، وإنما هي صيغة لتدبير الحكم. يعني أنها لا تقابل شكلا آخر من أنظمة الحكم ولكن تقابل صيغا أخرى للحكم. ولا يوجد رابط منطقي بين الديمقراطية كأداة للاختيار وبين العدالة، بل إنها قد تكون وسيلة للدكتاتورية الناعمة. سلطة وهيمنة وسطوة. ويذهب إدغار موران إلى أن الدولة تجعل من المجتمع آلة مليونية. معتبرا الآلة المليونية القديمة منظومة مركزية مدهشة تسيرها الدولة، وتشمل العالم الريفي، والمدن، والطبقات، والطوائف الاجتماعية والدين والجيش وتضم ملايين الأفراد. وأشار إلى أن الأمم الحديثة عبارة عن آلات مليونية متطورة ومعقدة استطاعت أن تدمج في داخلها المنظومة الديمقراطية. ويقفز على تاريخ الإمبراطوريات ليصل إلى تحديد دقيق لتوظيف الآلة المليونية، فبالإضافة الى استعمالها في الفعل الاقتصادي فالدولة تكرسها أيضا لمجدها ولآلهتها. إذ ترغب في تشييد خلودها بالحجارة الضخمة بحجم النصب الفوق بشرية. وتستخدم قواها الواقعية لتحقيق متخيلها. فتطلق الآلة المليونية لمطاردة الموت وتتحداها بآلاف الجنود المتحجرين. ويعتبر موران أن الدولة الفظيعة تطمح إلى خلود شبيه بخلود آلهتها الفظيعة (إدغار موران، النهج، ترجمة هناء صبحي، منشورات كلمة، الطبعة الأولى 2009، ص 216 و217).
وصدّر الكاتب للفصل الذي تساءل فيه: هل الديمقراطية أقل النظم السياسية سوءا؟ بمقولة لونستون تشرشل يقول فيها “الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، باستثناء كل الأشكال الأخرى التي جُربت من وقت لآخر”. يذهب الكاتب إلى أن البديل عن الديمقراطية ذهب إلى مزبلة التاريخ، يقصد النازية والشيوعية، لكن الفرضية القائلة إن الديمقراطية هي النظام الأقل سوءا تصبح أقل وضوحا إذا ما كان البديل هو الجدارة السياسية على النحو الذي تمارس به في العالم الحديث.
وسجل الكاتب أربع مشكلات تعاني منها الديمقراطية الانتخابية: طغيان الأغلبية، وطغيان الأقلية، وطغيان المجتمع التصويتي، وطغيان الفرديين التنافسيين. نقد للديمقراطية الانتخابية يأتي في إطار البحث عن بدائل للديمقراطية مرغوب فيها أو أقل سوءا، واضطر للدفاع عن بدائل تتعارض مع ممارسات الانتخابات التنافسية الحرة والنزيهة.
يرى أن بعض المؤسسات القائمة على الجدارة في الديمقراطيات الانتخابية في أمريكا وبريطانيا يمكنها ممارسة سلط فقط في مجالات محددة، كما أنها في نهاية المطاف مسؤولة أمام، وخاضعة للسياسيين المنتخبين ديمقراطيا، إنها تؤدي دورا إضافيا وليس بديلا من الديمقراطية الانتخابية.
في الديمقراطية الانتخابية، تتحول سلطة التصويت إلى سلطة سياسية ومن ثم تتمثل أكثر الانتقادات شيوعا للديمقراطية في إمكانية استخدام أغلبية الناخبين سلطتها في قمع الأقلية (ص 40).
يقول الكاتب: وفقا لأرسطو تهيمن الطبقة الأدنى في الديمقراطية، وتصبح ممتلكات الأغنياء غير مؤمنة، ولقد أدرك أن الأثرياء يمكنهم ممارسة قوة مفسدة من خلال إغوائهم مواطنين آخرين باعتناق حياة تهدف إلى الحصول على ثروة غير محدودة (ص 59).
وكان توم بوتومور دعا في كتابه “المجتمع والصفوة” إلى التوفيق بين فكرتي الصفوات والحكومة الديمقراطية حقق تطورا سريعا خلال القرن العشرين، لكن هذا التوفيق لا يتجاوز حد مساهمة الشعب في اختيار الصفوة، لكن ستؤكد الدراسات اللاحقة قوة السيطرة التي تمارسها الصفوة، التي يتم اختيارها وفق ما تختار ووفق ما ترسم هي للمجتمع، حيث تستغل كل الأدوات من أجل الهيمنة على المجتمع، واختيارات المجتمع كلها متحكم فيها حسب مسالك متعددة ومختلفة، تبدأ بالإعلام ولا تنتهي عند حد، باعتبار أنها عبادة لإله خفي داخل دين يحاول الهروب من الدين بتعبير مارسيل غوشيه. وفي هذا السياق يمكن للثري ذي الإمكانيات الكبيرة، حسب بوتومور، من أن يلج مجتمع الصفوة بسهولة، بل يمكن أن يشري مكانه داخل هذا المجتمع، إذ إن إمكاناته المادية ومكانته الرمزية تخول له الحضور الدائم في نوادي الصفوة، التي من خلالها يقتحم هذا المجتمع بسهولة، بينما الذي لا يملك يجد صعوبة في اختراق مجتمع الصفوة، كما أن واقعه العملي لا يمكنه من اقتحام هذا المجتمع.
في مقال تحت عنوان “هذه المجالات السبعة التي تفوقت فيها الصين على باقي العالم”، يرصد سيباستيان لوبيلزيك في موقع “lecho.be” الميادين التي تعتبر فيها الصين رائدة، وسبق لدراسات أن قالت إن الصين هي القوة الأولى عالميا لكنها تنتظر تسوية بعض الملفات لتعلن ذلك. ربما هي تعمل ولا تتكلم.
المجالات السبعة التي ذكرها الكاتب هي: أجهزة حواسيب عملاقة تحمل علامة “صُنع في الصين”، ريادة الطاقات المتجددة أو بطلة “الطاقات” المتجددة كما سماها، الطريق نحو 6G، العملة الرقمية، وسائل النقل المستقبلية، الهندسة الوراثية، علوم واستكشاف الفضاء. فماذا بقي بعد ذلك.
غير أن طريق الحرير ليست مفروشة بالحرير.
انبعاث طريق الحرير…اطلبوا العلم ولو في الصين

Wang Yi, a member of the Political Bureau of the Communist Party of China (CPC) Central Committee and director of the Office of the Central Foreign Affairs Commission, Ali Shamkhani, the secretary of Iran’s Supreme National Security Council, and Minister of State and national security adviser of Saudi Arabia Musaad bin Mohammed Al Aiban pose for pictures during a meeting in Beijing, China March 10, 2023. China Daily via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. CHINA OUT.