انحدار المرجعيات لدى الأمم هو نذير وناقوس خطر ينبغي الانتباه له، لأن المجتمعات لما يشتد بها التيهان تجد أمامها ما تمسك به، حتى تتعرف على الطريق من جديد، لكن عندما تفقد المرجعيات تفقد البوصلة، ويصبح الناس أتابعا لكل ناعق، حتى وصلنا زمنا أصبح فيه فيديو تافه لأتفه صانع محتوى يمكن أن يشكل حدثا مهما في المجتمع، يتابعه الكبير والصغير، بينما لا تجد من يقول “إلعن الشيطان” بل يتملقون لصانع المحتوى ويمنحونه المال نظير سكوته عنهم.
دخلنا زمنا انحدر فيه كل شيء نحو الحضيض. لا نتحدث عن عموم الناس ولكن عن النخب. واليوم نبدأ بالنخبة السياسية، التي لم تعد تنتج فكرا، حتى جعلت من هذه الأحزاب خطرا على الدولة نفسها. في وقت من الأوقات كانت الأحزاب تزعج الدولة وأحيانا ترعب المؤسسات، لأنها ممكن أن تقود الجماهير نحو مطالب كبرى، واليوم أصبحت الأحزاب خطرا ليس لأنها قوية ولكن لأنها تعطي مفهوما خاطئا ومعنى مزيفا للعمل السياسي أصبح قرينا بالانتفاع.
عندما تتحول الأحزاب من أدوات الدفاع الشعبي وتأطير المجتمع إلى كيانات هشة ومرتخية لا يثق فيها المواطن، بل تخلق لديه اللبس، وتجعله يعتبر السياسة مجرد أداة للارتزاق وليست وسيلة من خلالها تصل النخب إلى تدبير الشأن العام، وفي هذا خطر يتهدد الدولة، لأن الأحزاب التي كان مفروضا فيها تأطير المواطن والقيام بتوعيته أصبحت وعاء لأفكار غير طبيعية يلجها كل من يسعى للترقي الاجتماعي.
عندما تصبح الأحزاب لدى المجتمع مجرد أدوات للارتزاق فهذا يعطي انطباعا بأن السياسة لا تصلح لشيء وهذا يشكل خطرا على الدولة نفسها، لأن الدول تقوم على الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وعندما تصبح السياسة مجرد وسيلة للانتهازية في نظر المجتمع فهذا يؤذن بخراب العمران بتعبير عبد الرحمن بن خلدون.
لما نتحدث عن مرجعيات لدى المجتمع فإننا نقصد مرجعيات فكرية، ومع نهاية عصر السرديات الكبرى كان على المثقفين تجديد الفكر، ونتحدث عن شخصيات عظيمة بنت المغرب السياسي، عن علي يعتة الذي كان شخصية مرموقة ومعروفة لدى الشيوعيين في العالم، وكانت كلمته مسموعة في موسكو وبيجين، ونتحدثت عن عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان يكسر الحجر لدى الاشتراكيين الديمقراطيين في أوروبا، وكان وسط الاتحاديين شخصيات معروفة لدى الاتجاهات القومية والعروبية، وامحمد بوستة لدى أحزاب الوسط، ولا ننسى أنه حتى عند الإسلاميين كانت هناك شخصية كبيرة هو عبد الكريم الخطيب، الذي كان شخصا فاعلا، وعندما توفي نعاه مهدي عاكف، المرشد العام للإخوان المسلمين كأحد مؤسسيه.
لسنا ممن يعبد الشخصيات والأشخاص، ولسنا على اتفاق مع كل هؤلاء، بل هناك ما يعاب على كل واحد منهم لكن بالجملة كانوا يشكلون مرجعيات سياسية ذات بعد أخلاقي يمكن أن يستذكرها المجتمع لما تتيه به الأمواج ويعود إلى طريقه السليمة.
انحدار المرجعيات لدى المغاربة -1-
