رشيد لزرق
تضم دول الساحل الإفريقي مصادر هامة للطاقة و هو ما يجعلها ساحة معركة بين دول الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى مثل روسيا و الصين والولايات المتحدة التي تتصارع من أجل تنفيذ برامجها، لما تتمتع به من موارد طاقية لم تستغل بعد وأصبح التنافس حول أخذ النصيب الأكبر منها وتأمين التزود بالطاقة انشغالا لمختلف القوى الدولية التقليدية منها والصاعدة، خاصة أن هذه الثروات لا تخضع لسيطرة سلطة مركزية قوية.
و الانقلابات متتالية التي تعرفها تدخل في معركة الطاقة برزت منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. ظل موضوع الطاقة الهم الاكبر الذي يشغل الدول الأوروبية، وذلك لاعتمادها الكبير على الغاز الروسي من أجل التدفئة، لدرجة تحول معها ملف الطاقة إلى حرب بين روسيا والدول الأوروبية داخل الحرب الكبرى.
و يبدو ان حرب الطاقة تتوسع و باتت ساحتها افريقيا.
فالانقلاب بالنيجر هو محاولة لتشديد الخناق على اوروبا، من خلال انتاج الكهرباء، والمتضرر الاول هي فرنسا التي تعتمد على اليورانيوم في الانتاج النووي للكهرباء. اذ ان النيجر هي ثاني اكبر مزود لدول الاتحاد الأوروبي بعد كازاخستان، من اليورانيوم.
مما ينذر بارتفاع اسعاره و بالتالي ارتفاع تكلفة انتاج الكهرباء من الطاقة النووية.
فالنيجر هي مزود رئيسي لفرنسا ب 17% من اليورانيوم لتوليد الكهرباء في محطاتها النووية.
كما ان من شأن هذا الانقلاب ان يقضي على امال الاوروبيين من التبعية الطاقية لروسيا التي كانت تعول على الغاز النيجيري كبديل من خلال انبوبين الاول من نجيريا عبر الجزائر، و الثاني نيجيريا عبر المغرب على المدى المتوسط.
كما ان انقلاب الاوضاع في الساحل و الصحراء يهدد باضطراب في حصة نجيريا ذات الإنتاج النفطي الكبير، و غانا وساحل العاج، الواعدتين في إنتاج النفط، إذا ما اتسعت رقعة الحرب لتطال البنى التحتية ومصادر التمويل.
مما ينذر بارتفاع أسعار الطاقة و معه ارتفاع التضخم بالتبعية،و الذي عجزت اوروبا على كبح جماحه.
ان مطلب التنمية يذكي الانقلابات في الدول الأفريقية، و ما تعرفه دول الساحل و الصحراء من حراك يسير في هذا الاتجاه، اذ الحكومات المتتالية لم تستطع ترسيخ التنمية ومعالجة الأزمات الفقر، لهذا فان يبدو انها مهيئة لموجة اخرى من الانقلابات في ظل تضاربات دولية بين الدول الكبرى برزت مع الحرب الروسية الاوكرانية. قوى الطرح الذي يتوجه نحو تعدد الاقطاب بات يهدد فرنسا في معاقلها التاريخية، مما جعلها تتحرك لوقف الانقلاب في النيجر ودعم “إيكواس” في التحضير لعمل عسكري في مقابل يتصادم ذلك برفض روسي صيني تحت غطاء عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
المحيط الاقليمي مساعد افرز تكتل دول الانقلاب في مالي وبوركينا فاسو الى جانب انقلاب النيجر، و استعدادها لمواجهة اي تدخل خارجي.
ان هذا المعطى يعاود طرح مطلب التنمية و الديمقراطية كمطلب للاجيال الافريقية الحالية، و الغرب في مطالبته بالديمقراطية بدون ان يعدل سياسيته في الاستغلال يزرع بدور الانقلابات، فالديمقراطية المنقوصة تعطي اضدادها و مادمت بافريقيا ديمقراطية هشة فانها ستبقى رهينة الانقلابات.
لكون فقدان التنمية كعنصر غائب هو نتيجة بروز نخبة سياسية لم تقف ضد عمليات النهب والاستغلال المنظم لثروات من قبل الغرب، يجعل معارك الدول الكبرى في الساحة الافريقية، ففرنسا باعتبارها المتضررة الاكبر في فقدان نفودها في معاقلها التاريخية الان تجد نفسها امام تحديات جديدة بفعل المنافسة في هذه المعاقل من طرف الصين و تركيا و روسيا يقدمون بدائل للدول الافريقية تقوم على الدبلوماسية الناعمة عبر الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، و في اكثر معادلة رابح – رابح، في مقابل النموذج الفرنسي الذي يقوم التحكم بالاقتصاد و السياسة، وبات يلوح في الافق حراك من الانقلابات يتمدد في افريقيا. في اطار بحث الافارقة على نموذج جديد في ظل ظروف دولية سيمتها التعقد وعدم اليقين.
انقلابات إفريقيا والصراع على الطاقة
