Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

اِحذَروا مَكرَ التّاريخ فلا مستحيلَ في التاريخ!

محمد فارس
لقد بحثتُ في أكثر من موسوعة عساني أجدُ ولو اسمًا واحدًا مشهورًا من بيْن هؤلاء الوزراء الذين يشكِّلون حكومةَ آخر الزّمان التي انقضّتْ على رقابِنا، فلم أجدْ أثرًا لأيّ أحدٍ منهم في أيّة موسوعة حتى الفرنسية منها؛ فقد وجدْت اسمَ صاحب الجلالة فقط، وفي موسوعة المفكّرين، وجدتُ [الجابري، والعَروي، والمنجرة] فما استفدنا بفكر وبحوثِ واحدٍ منهم للأسف الشّديد؛ ومن الوزراء الأذكياء وجدتُ فقط [طارق عزيز] لكنّ استبدادية [صدّام حسين] منعتْه من الاستفادة ومن استشارة [طارق عزيز].. أمّا فيما يختصّ بوزراء التعليم الذين كانوا في الأصل مفكّرين وفلاسفة وباحثين، فإنّي وجدتُ مثلاً [طه حسين] و[أُوكتاڤيو باز] وقد كان سفيرًا لبلاده في (الهند) قبْل أن يعيَّن وزيرًا للتّربية والتعليم في [المكسيك]، فذاع صيتُه بسبب إصلاحاته للقطاع، ثم نال جائزةَ [نوبل] في الآداب، ثم وجدتُ [أندري مَالرُو] في [فرنسا]، وهؤلاء الثّلاثة تخَرجَ في زمانهم فلاسفة ومفكّرون، هم أنفسُهم أثنوا عليهم، و تحدّثوا عن أعمالهم، وإنجازاتهم في ميدان التّربية والتّعليم؛ فقد أشاد [زكي نجيب محمود] بأعمال [طه حسين]، واعترف [عبد الرّحمان بدوي] بفضله عليه، وأشاد [فؤاد زكريا] بمنجزاتِه، وهم كلّهم فلاسفة ومفكِّرون تخرّجوا من منظومة التّعليم التي قادها [طه حسين] الذي كان يقول: [حقّ الـمُواطن في التّعليم، كحقِّه في الماء والهواء]..
هؤلاء الوزراء ما سمعنا أنّ واحدًا منهم كان مفكِّرًا أو باحثًا أو على الأقلّ كان له ركْنٌ بإحدى الجرائد فعُرِفَ بمواقفه أو بفلسفته أو بسياسته أو بفكرِه وقُدْرته على الإقناع، لماذا، لأنّه وكما قال [نيتشه]: [هؤلاء يَعتبرون الفكر والعقلَ والمعرفة لعنة]، وها هو وزيرُ التّعليم الحالي يجد طريقةً لإصلاح منظومة التعليم بمنع أبناء الوطن من وُلوجِها، وحصَر الجودةَ وجعَلها مقصورة على من هم دون الثلاثين من العمر، فلم يَهْتدِ إلى التّكوين الجيّد أو إلى البرامج النّوعية أو إلى توفير الوسائل الضّرورية، فكلُّ ما اجتهد فيه هو إثارةُ غضب الشّعب، وإثارةُ نيران الفتنة، والاضطراب في البلاد..
وهؤلاء الوزراء ينبغي لهم أن يحذَروا مَكر التاريخ كما قال [ماكياڤيللّي] في آخر حياته، وسنسُوق أمثلةً لوزراء مكَر بهم التّاريخ وجعلهم أذلّةً ومن هؤلاء مثلاً [إدريس البصري]، فما كان الوزيرُ يتصوّر نهايتَه المأساوية وقد أذاقَ المغاربةَ عذابًا ولم يَكُن يقيم وزنًا للشّعب؛ فيوم ظهرتْ ظاهرة الأطباق اللاّقطة، قرّر أنّ أيَّ مواطن اشترى [البارابول] عليه أن يدفع (4000) درهم، فأبْطل جلالةُ الملك [الحسن الثاني] طيّب الله ثراه، واعتبر قرارَ [البصري] مسّا بالحرّيات، وجعَل كيدَ ذلك الوزير في نَحْره؛ ولما أقرّتْ [أوروبّا] (الڤيزا)، عندها فقط، أطلق [البصري] حملة الجوازات؛ ولـمّا عُزِل من منصبه، راح إلى [باريس]، ثمّ استضافتْه [الجزائرُ] لمدّة (23) يومًا، فصار يردّد ويؤيّد الانفصاليين في أطروحتهم أمام اندهاش الجميع..
وهذا وزيرُ التّعليم الذي توسَّط [بلمُختار] و[أمْزاري] وقد كان يومًا ما واليًا في [طنجة]، فعُيِّن وزيرًا للتّعليم، وبدأ باتّخاذ قرارات غير معقولة ومنها قرارُه بتدريس اللّغة الفرنسية من قسْم التّحضيري لأطفال [المغرب]، فلم يَسْتمرّ في التعليم أكثر من ستّة أشهر، فعُزِل من منصبه وقد ظهر أنّه لا علاقةَ له بهذا الميدان.. وهذا [بنكيران] الذي أراد إلغاءَ مجّانية التعليم في البلاد، وقرّرَ خصْم الثّلث من تعويضات الـمُتقاعدين، فقد مكَر به التاريخُ من حيث لم يتوقّعْ.. وهذا [العثماني]، فقد نكَّل به التاريخُ وجعَل انهيارَ حزبِه على يده ولن تقومَ قائمةٌ لحزب [العدالة والتنمية] مهْما كانت قدراتُ الـمُنقذين، فقد ذهب الله بنوره إلى أبد الآبدين.. وخمسة وزراء آخرون عُزِلوا من مناصبهم لقلّة كفاءتهم، وقد كانوا أحسن بكثير من الوزراء الذين وقعَ اختيارُ [شاهْبَنْدَر] عليهم، وهم أَفرغ من بطْن أمِّ موسى..
فلا يجب أن يعتقد وزيرُ التّعليم الحالي أنّه انتصر على الشعب وأقرّ رأيه بالقوّة، وأنّه ليس بمقدور أحد أن يوقفَه، هذا هُراء، ووهْمٌ يلوذ به، فالتّاريخ له منطقُه الخاصّ، وسُخريتُه لا تَخشى أحدًا.. لقد رأيت [ماكياڤيللّي] كيف كان يَنصح السّياسيين بالـمَكر، والكذب، والخداع، ولكنّه في آخر حياته قال ما يناقض مضاميـنَ كتابه [الأمير]، وحذّرَ من مَكر التاريخ، واعترف بأنّه لا مستحيلَ في التّاريخ.. فوزير التعليم يسير إلى نهايتِه بقدميْه وهو لا يَشعر بما يَقترفه من أخطاء، فإذا ما توالتِ المسيرات الاحتجاجية والغاضبة، فلن يكونَ أمام البلاد حلٌّ آخر غيْر عزْله، وإقبار كلّ قراراته تمامًا كما عُزِل وزيرٌ قبْله، وأُلقيتْ قراراتُه في سُلّة المهملات؛ فيا هؤلاء اِحْذَروا مَكر التّاريخ!

Exit mobile version