Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

بمناسبة عيد الاستقلال والحرية والبناء…الجهاد الأكبر

ما زالت الكلمة التاريخية لجلالة المغفور له محمد الخامس لدى عودته من المنفى “عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، (ما زالت) ترن في الآذان المستوعبة للقول البليغ، حيث لخص المشروع المغربي التاريخي، بل واضعا منهجية جديدة للتعامل، باعتبار أن الجهاد بما هو مقاومة ضد الاحتلال الفرنسي مقدور عليه، لكن بناء الوطن والمدن والمشاريع الكبرى والمؤسسات عملية كبرى ومعقدة ومعرضة للمخاطر.
فالذكرى مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي قدمها المغاربة، كل حسب قدراته، بدءا من السلطان سيدي محمد بن يوسف وعائلته، الذي ضحى بالعرش مقابل الحفاظ على المبدإ الأساسي ألا وهو استقلال المغرب، ووضع يده في يد الحركة الوطنية المطالبة بالجلاء، وكان لموقف السلطان أثر كبير في تأجيج الغضب الشعبي وتألق الوعي الاجتماعي بضرورة إنهاء الحماية وخروج القوات الفرنسية.
بعد عودة السلطان من منفاه بدأ المغرب في بناء الدولة الحديثة، حيث تم التركيز على ناحيتين، الأولى تتعلق ببناء البلاد وتركيز أدوات الاستثمار والثانية بناء المؤسسات الديمقراطية، وهكذا أصبح المغرب من شماله إلى جنوبه ورشا مفتوحا لربط المناطق بشبكة الطرق وبناء طريق الوحدة بعضلات الشباب لربط مناطق المغرب ودليل على وحدة البلاد.
بموازاة بناء الأوراش الكبرى تم بناء دولة المؤسسات، ولم يكن سهلا الدخول في حقبة جديدة دون خلفيات تاريخية، حيث تغير كل شيء وظهرت نخب حديثة ومطالب جديدة، ولهذا تم تركيز النظر على ضرورة وجود وثيقة دستورية كتتويج لإرهاصات الحركة الدستورانية المغربية، التي ظهرت سنة 1908، كما تم في المرحلة الأولى بناء معالم مغرب تتعايش فيه التجارب والأجيال والإديولوجيات، دون التفريط قيد أنملة في معالم الخصوصية المغربية.
ففي الوقت الذي عرفت فيه كل البلدان التي نالت استقلالها حكم الحزب الوحيد والمنظمة الوحيدة أقر المغرب التعددية السياسية وأصدر ما أصبح معروفا بـ”ظهير 58″، قاطعا الطريق على دعاة التوجه الوحيد، الذين يغلفون الدكتاتورية بعناوين الحركة الوطنية والانتصار التاريخي، لأن الاستقلال، حسب الملك الراحل، هو استقلال لجميع المغاربة باستثناء الخونة والمتعاونين مع الحماية الفرنسية.
وخلال مرحلة طويلة عرف المغرب محاولات عديدة لبناء مؤسسات قوية، نجح في الكثير منها، حتى أصبحت تضاهي الدول المتقدمة والسابقة زمنيا في هذا الشأن، وتوجه المغرب نحو استكمال وحدته الترابية عبر استعادة الأقاليم الجنوبية، التي حولها من رمال متحركة إلى مدن وعمران ومشاريع كبيرة، وأسس جيشا قويا لحماية حوزة الوطن وجهازا أمنيا يحسب له ألف حساب وتستفيد دول عديدة من خبراته.
وتأسست الصناديق الضامنة لحقوق الفئات الاجتماعية وتم بناء تعليم جامعي ومهني وأبرز المغاربة قدرات كبيرة في العديد من المجالات وسطع نجم كثير منهم بالخارج وأغلبهم من خريجي المدرسة العمومية.
هو حقيقة جهاد أكبر لأنه مرفوق بكثير من المعيقات الداخلية والخارجية، لكن إصرار المغاربة ملكا وشعبا على بناء دولة المؤسسات هو الذي أعطى هذا النفس لبلادنا.

Exit mobile version