Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

بين تَهوُّرِ (ليز تراس) وحَذَرِ (أخنوش)

محمّد فارس
سال مداد كثير، وكثُرت الرسوم الكاريكاتورية على صفحات الجرائد البريطانية، وحمِد لها البعضُ استقالتها، ورأى البعضُ الآخرُ أن أيّ مسؤول إذا أحسّ بأنه عاجز في تدبير شؤون البلاد، فالمفروض به أن يستقيل طواعيةً وذلك يُعتبَر شجاعةً أدبيةً وليس ضعْفًا بأية حال من الأحوال؛ ولكن السّؤال المطروح هو: لماذا صرّحتْ رئيسةُ الوزراء، ثلاثة أيام قبل استقالتها، بأنّها مقاتلة ولن تَسْتسلم أمام هذه المعركة، وبعد ثلاثة أيام من هذا التّصريح أمام البرلمان، تقدّمُ استقالتها من على رأس الحكومة ومن حزب المحافظين نهائيًا؟ والواقع أن (ليز تراس) لم تقدّم استقالتها، وإنما أُزيحت رغمًا عنها من السّلطة، ولكن من هم هؤلاء الذين أزاحوها من على رأس الحكومة، وكذلك من الحزب؟ لكنْ ما طبيعةُ الخطإ الذي ارتكبتْه [تراس] فكلّفها منصبها بعد (40) يومًا فقط؟
خطأُ رئيسة الوزراء البريطانية [ليز تراس] هو أنّها قرّرت خَفْض الاقتطاعات الكبيرة من أجور الموظّفين، والعمّال، إلى جانب تخفيض الضّرائب المفروضة على المواطنين الذين يرزحون تحت وطأة أزمة خانقة بسبب وباء (كوڤيد ــ 19) وبسبب الحرب الأوكرانية ــ الروسية التي أرختْ بظلالها وجعلتْ [بريطانيا] تعيش أزمةً وظروفًا خانقة.. المواطنُ مثْلي، قد يرى أن هذا القرارَ هو قرارٌ صائب، وحكيم، ويخدُم مصلحة الشعب بلا شكّ، ولكنّه غيرُ مقبول في نظر المستفيدين، واللّصوص، وأصحاب الـمُعاملات الرّبَويَة، وخاصةً رؤساء البُنوك، وخاصة البنكَ المركزي البريطاني الذي يديره الصّيارفة الـمُرابون العالميون.. إنّ [تراس] قد لاحظت النّزيف الذي تشهَده [بريطانيا] والمتمثّل في هجرة المستثمرين، والعقول إلى دول أخرى حيث تنخفض الضّرائبُ أو هي منعدمة، فأرادت خفْض هذه الضرائب المرتفعة لإيقاف هذا النّزيف، فحرَّك رؤساءُ البُنوك الرِّبَوية القِوى الخَفية التي تعمل وراءَ السّتار، ووُظِّفَتِ الدُّمَى المناسبة، فمهّدت الطّريق لإزاحة رئيسة تهدِّد مصالِحَهم في [بريطانيا]..
ويفيدنا التاريخ أنّ الاقتصاد البريطاني صار رهينةً بأيدي الـمُرابين الذين قاموا بتأسيس مصارف [بريطانيا]، ويُمنَح مديرُو مصرف [إنجلترا] الحقَّ بتحديد سِعْر العُملة بالنسبة إلى الذهب، ومِقْدار الضّرائب المفروضة على الدّخل؛ ومعلوم أنّ هؤلاء، أزاحوا ملوكًا من على عُروشهم، وأَعدَموا آخرين لأنّهم كانوا لا يخْدمون مصالح الـمُرابين الماليين، وهؤلاء هم من كانوا دائمًا وراء الحروب، لأنّ الحروبَ تتطلّب مبالغ ضخمة من المال، ممّا يضطرّ الدول للاقتراض منهم، ويستَتْبع ذلك، ازديادٌ مُهْوِلٌ وسريعٌ في القروض الوطنية، ممّا يجعل الدولةَ والسّياسيين تحت رحمتهِم، بل ألعوبة في أيديهم؛ فالقول إنّ رئيسة الوزراء [ليز تراس] قدّمت استقالتَها بعدما أحسّتْ بِعَجزِها هو مجرّد كلام فارغ، ولا أساس له من الصّحة؛ والظاهر، هو أنّ مسؤولا يَحترم إرادةَ الشّعب، ويريد خدمة مصلحة المواطنين، والتخفيف عن البؤساء والمحرومين، فمصيرُه معروفٌ مُسْبقًا..
أنت تَرى الآن ما يحدُث في [المغرب]، وكيف يخدُم [أخنوش] مصالح لوبيات المحروقات، وتجّار الغِذاء، ولا يبالي بسخط الشّعب وتذمُّره، وهو واثقٌ من ألاّ أحدَ بمَقدوره زحْزحتهُ من منصبه، رغم الاحتجاجات، وكثرة [الْهاشْتاغات] على مواقع التّواصُل الاجتماعي؛ لذا تراه لا يهتمُّ بمواطنين أُخْرجوا ظُلْمًا وعدوانًا من بيوتِهم، وآخرون انتُزِعَتْ منهم أرضُهم، و[أخنوش] يعْرِف مسْبقًا القاعدة، وهي أنْ يكونَ ضدّ الشّعْب، لذا تراه ما رَفَعَ ظُلْمًا، ولا أزال ضَيْمًا، ولا أزاحَ حَيْفًا، لأنّ ذلك ليس في مصلحته؛ فيوْم، مثلاً، يقرّرُ تخفيضَ أثمان المحروقات، سيكون منصبه في خَطَر؛ ويوم يعيد المطرودين من بيوتِهم سيَكون قدِ ارتَكب خطأً فادحًا؛ ولكنّه بِصمْته عمّا يحدُث في البلاد، فإنّه يتلقّى القروضَ من المؤسّسات النّقدية لإغراق البلاد في ديونٍ تجعَلُها لعبةً في أيدي القِوى الأجنبية والتي لها لوبيّات داخلية؛ فالزمَن الآن، ليس زمنَ الشّعوب، فزمنُ الشّعوب ما زال بعيدًا، وسيزداد الظُّلمُ والحَيْفُ، وستبقى الدّيمقراطية هي مَن تَحْمِل المستبدّين واللّيبراليين المتوحّشين إلى السّلطة، بل حتى الجُهلاء والأُمّيين إلى ميدان السّياسة، وأنتَ ترى قبة البرلمان قد عجَّتْ بهم، وجُلّهم أصحاب أملاك، ومحلاّت، وضياع، يُشرِّعون للبلاد والعباد.. ثم تجدُ إعلامَ التّضليل يطبِّل لحكومة [أخنوش]، ويُعْلي من شأنِها، ومن بين وسائل الإعلام ما اشتراه [أخنوش]، وهو ما يُشْبِه شعراء التّكسُّب في العصور الغابرة..

Exit mobile version