Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

بين مَذهب الحرّية وبين سياسة الإكراه واللاّمعقول

محمد فارس
خلال هذه المقالة، سنتحدّث عن الحرية كمذهب، لا كإشكالية فلسفية، فنطرح السّؤال: ما هو مذهب الحرية؟ الجواب: مذهب الحرية هو مذهبٌ سياسي يقرّر وجوبَ استقلال السّلطة التشريعية والسّلطة القضائية عن السّلطة التنفيذية، ويَعترف للمواطنين بضروب مختلفة من الضّمان تَحميهم من تعسُّف الحكومات.. ومذهبُ الحرية بهذا المعنى نقيضُ مذهب الاستبداد بالسّلطة.. ومذهبُ الحرية أيضًا مذهبٌ سياسيٌ فلسفي يقرّر أنّ وحدةَ الدّين ليست ضرورية للتنظيم الاجتماعي الصّالح، وأنّ القانون يجب أن يكفُلَ حرّيةَ الرّأي، والاعتقاد، والاختيار.. ومذهبُ الحُرية أخيرًا مذهبٌ اقتصادي يقرّر أنّ الدّولة يجب أن تتخلّى عن ممارسة الأعمال الصّناعية، والتّجارية، وعلى الحكومة ألاّ تتدخّل في العلاقات الاقتصادية والأنشطة التّجارية بين الأفراد والجماعات، ويسمّى هذا المذهبُ، بمذهب الحرّية الاقتصادية، وهو نقيض المذهب الاشتراكي، أو نقيض القول بوجوب سيطرة الحكومة على كلّ شيء في البلاد كما هو حاصلٌ الآن بعد هيمنة حكومة التّجار..
وقد يُطلق مذهبُ الحرية على القول بوجوب استقلال المواطنين وعدم إجبارهم على شيء، أو القول بضرورة التسامُح في شؤونهم، أو القول بوجوب الثّقة بما ينشأ عن نظام الحرّية من النتائج المسْعِدَة؛ وجملة القول إنّ أنصار مذهب الحرّية يدعون إلى تنمية الحرّيات الفردية، وإلى الحدّ من سيطرة الحكومة كما يحدث الآن بخصوص إجبارية التّلقيح مثلاً؛ والحرّية تفترض أنّه من شاء أن يلقَّح فله ذلك، ومن رفض فله ذلك، وهذا يفترض وجود حكومة تحترم نفسها وتحترم حرية المواطنين واختياراتهم، وكل مواطن يتحمّل مسؤوليتَه في إطار حرية مكفولة سلفًا فلا إجبار ولا إكراه.. والحكومة التي يحترمها المواطنُ ويثقُ فيها هي الحكومة التي تحترم حرّية المواطن، وخياراته، وتجعل كرامتَه فوق كل اعتبار؛ وأمّا الحكومة التي تُلزِمه بما يَكره، وتهدّده في قوته، وفي مصالحه، حتى في وثائقَ هي من حقّه ويعترف له بها دستور البلاد والقوانين المعمول بها، فهذه والحقُّ يقال حكومةٌ تَعمل ضدّ إرادة الشّعب، وصوتُ الشّعب، هو صوتُ الطّبيعة كما قال فلاسفة الوجود الإنساني.. فإذا رفض مواطنٌ أن يُلقَّح، فذاك اختياره، فهل أنتَ أَحْرص على حياته منه شخصيًا؟ الجواب: كلاّ!
فحرّية الإنسان أهمُّ وأرقى من التلقيح، لكن لماذا لا تكون هذه الحكومةُ حريصة كل الحرص عندما يحتاج المواطنُ إلى عملية جراحية يطلبها هو نفسه، ويلتمسها فلا أحدَ يلبّي طلبَه، فيظلّ ملقًى في الشارع أو في ممرّات المستشفيات ولا أحدَ يلتفتُ إليه، فكيف بكُمُ اليوم تهتمّون بصحّته وتُجبِرونه بشتى الطّرق على تلقّي لقاح هو يَرفضه وغير مقتنع بجدواه؟ كيف لا نراكُم حريصين على قُوتِه، وعلى قوّتِه الشِّرائية وأنتم تُلهِبون الأسعار، وتشعِلون الأسواق نارًا؟ لماذا لا نراكُم تحْرصون على إيجاد شُغل لكلّ معطّل وعندما تلتفتون إليه تتذرّعون بأنّه تقدّمَ في السِّن فيُلقى به في مزابل الإهمال؟ لماذا لا تبحثون عن لقاح لـمُحاربة الفساد الذي استشرى في البلاد ففَشى الكساد وضاقتْ به ذرعًا صدورُ العباد؟ قد تقولون إنّكم تفْعلون ما فعلتْه بعضُ الدّول بخصوص إجبارية التّلقيح، ولكنّي أسألكم: لماذا تُقلِّدون بعض الدّول في السِّلبيات ولا تقلِّدونها في نزاهة الانتخابات، وفي الحقوق، وفي محاربة الفساد، وفي محاكمة المفسِدين، ولا أحدَ لديها فوق القانون؟ أجيبوني إن كانت تواتيكم الشّجاعة، وكيف لكم بالشّجاعة والحالةُ هذه، فأنتم تقومون بعملية انتقاء من هذه الدّول لِـما يَخدُم مصالحكم، ولقد رأينا كيف أقبرَ برلمانكُم ملفَّ محاربة الفساد وألقيَ به على الرّفوف حتى يَنفضَه من الغُبار مؤرّخون سوف يَكتُبون عن سياستكم ولو بعْد حين، وهذا الحيـنُ قادمٌ لا محالة، ولا مستحيلَ في التّاريخ؛ وسوف تحاسَبون عاجلاً أم آجلاً.. قد تقولون: [متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين، قل إنّما العِلم عند الله وإنّما أنا نَذيرٌ مُبين]، بهذا أوصى الله عزّ وجلّ نبيَّه الكريم أن يجيبَكم، فلكلّ شيءٍ نهاية مَهْما طال لَعِبُكم وظُلمُكم..
لهذا كلّه سأختم مقالتي بما ختَم به [كامي] كتابه [الثائر] بنبرات فيها إشراقة رجاء، فقال: [سنختار نحن الأرضَ الأمينة، والفكْر الجرّيء، والعمل الناصع الواعي وسَخاوة الإنسان الذي يَعرف.. هنالك يولد السّرور الغريب الذي يُعين على أن نحيا ونَموت، وإنّا لنرفُض تأجيلَه إلى ما بعْد، إنّه على الأرض المتألِّـمة، الزوانُ الذي لا يتعَب، والطّعامُ المرّ، والريحُ العاتية القادمة من البحار، والفجر القديم والجديد معًا؛ سنُعيد تقويمَ روح العصر، وعلى قِمَّة التّوتّر سينطلق السّهمُ مستقيمًا، انطلاقةً كلّها شدّة وكلّها حرّية، هذا رجاء الإنسان المعذّب، ممزوجًا بطَعْم الرّماد، ولن ينتهي أبدًا حتى يموت آخِر بَني الإنسان].. وآخِرُ دعوانا أَنِ اللّهمّ لا تُسّلِّط علَيْنا مَن لا يخافُكَ ولا يَخشاك ولا يَرحمُنا) آمين! هذا رجاءُ كلِّ مواطنٍ مهموم، ومعذّب، ومستاء مِمّا آلتْ إليه أوضاع البلاد والعباد من جَبْريةٍ وفساد..

Exit mobile version