Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

تجاوز الاختصاص الدستوري في النسق السياسي وانتظار التحكيم الملكي

تماشيا مع الوضعية التي يمر منها المغرب يمكننا مناقشة موضوع الاحزاب وطرح التساؤل عن أهميتها في حياة المواطنين، بحيث هناك من يرفض وجودها ويعتبرها مسؤولة عن هدر الزمن التنموي وأنها من وراء كل الأزمات والمشاكل، وهناك من يراها ضرورية فقط ينقصها العمل الجاد والمسؤول وحمل برامج معقولة وأداء وظائفها الدستورية ضمن النسق السياسي المغربي، واليوم يطرح تحدي امكانية تغيير جائحة كورونا لأدوار الأحزاب و دفعها نحو البحث عن خطة عمل مواتية وايقاض وعيها السياسي والتفكير في بناء برامج اجتماعية واقتصادية، و التكتل لتجاوز الظلم  والاقصاء السياسيين الذين يثيران انفعلات تؤثر على النسق السياسي، سواء كما فعلت في وقت سابق أو تتجمع في شكل فيدراليات للبحث عن مكان متوازن داخل النسق السياسي ، والاسهام في مواجهة  تداعيات الأزمة الراهنة وما تحمله من تحديات، وللجواب عن الأساس والسبب والغاية من وجودها، كما أن قيامها بأدوارها المنوطة بها دستوريا أمر ضروري مادام وجودها ضروري، أو بالأحرى  فرضها منطق الديمقراطية كخيار لابد من قبوله،  وسنطرح  للنقاش مكامن الخلل لدى مكونات النسقخصوصا المتبطة بالأحزاب بايجابياتها وسلبياتها وأثرها في الحياة السياسية  الوطنية وأهم محطاتها وفلسفتها دون اقصاء لباقي الاحزاب الأخرى  وأيضا بهدف التغيير دون السقوط في الميوعة السياسية والتفاهة التي تساوي الربح والخسارة في عمل المكونات النسق السياسي حكومة وبرلمان وأحزابا سياسية كما يلي:

إنطلاقا من التحليل الشخصي لموضوع  يدخل ضمن حقل العلوم السياسية وإنطلاقا من كون النسق السياسي يتطلب إعمال المنهج النسقي كمنهج  قادر على الإحاطة بتحليل النسق السياسي و لكونه بديلا للتحليل البنيوي والوظيفي، وينظر الى النسق الاجتماعي باعتبار الأحزاب فاعل أساسي فيه الى جانب فاعلين أخرين، بحيث يحتل كل منها مركزا ومكانة مميزة عن الأخرى وتؤدي أدوارا متمايزة، فهو عبارة عن نمط منظم بحكم علاقات الفاعلين المكونين له ويصف حقوقهم وواجباتهم، اتجاه بعضها البعض برابط  قانوني وإطار من القيم المشتركة بالاضافة الى انماط مختلفة من الثوابت والرموز والموضوعات الثقافية المختلفة، وأنساق ثقافية واجتماعية ونسق الشخصية كمعايير توجه التفاعل .

وبالنظر الى الفعل السياسي الاجتماعي من خلال الفعل والموقف والفاعل وتوجهات الفاعل، يتبين أن التحليل النسقي للسلوك السياسي في بيئة يتفاعل معها أخذا وعطاء، يتم انطلاقا من كون النسق السياسي له فتحتيين، هي المدخلات والمخرجات، مثل الكائن الحي الذي يعييش في بيئة فزيائية مادية وبيولوجية واجتماعية وسيكولوجية، وأن هذا النسق يبقى مفتوحا على البيئة التي تنتج أحداثا وتأثيرات يتطلب من أعضاء النسق الاستجابة لها.

ومعلوم أن النسق السياسي وتفاديا لأي اختلال  للتوازن يتوجى مراعاة المكونات التالية  :

النظام السياسي لكونه وحدة التحليل الاساسية ويتكون من مجموعة من العناصر المتفاعلةوالمترابطة وظفيا وأن تغيير في أحد عناصره يؤثر في بقية العناصر الأخرى .

ولكون البيئة الداخلية التي يعيش فيها النظام هما خارجين عن النظام السياسي  ويؤثران فيه أو يتأثربهما في نطاق النسق الكلي المكون من النسق الاقتصادي و الثقافي والمجتمعي، وتمثلمصدرا للضغوطات والتأثيرات المتعددة… بينما البيئة الخارجية فهي تشمل كل ما هو خارج عن المجتمع المغربي المعني بالنسق السياسي في هذا المقام ، وتشمل كل الأنساق الاقتصادية والثقافية الدولية، والنسق العولمي الكلي، وكلها تعرف هي الأخرى ردود أفعال متباينة وضغوطات مستمرة.

والنسق السياسي بطبيته له حدود تفصل بينه وبين البيئتين لكنه يتأثر بالقيم والأوضاع الاجتماعية والثقافية الأساسية كما يتوفر على مدخلات ومطالب وتأييد وتحويل ومخرجات.

فالبنسبة للمدخلات فهي فتحة استقبال كل ما يتلقاه النسق السياسي من البيئة الداخلية والخارجية، كمتغيرات  تحدث في البيئة المحيطة بالنظام السياسي وتؤثر فيه وتعمل على تغييره وهي :

المطالب التي تمثل حاجيات الأفراد والمجتمع وتفضيلاتهم المتنوعة وتقوم التنظيمات المختلفة بجمعها، وتعتبر الاحزاب السياسية وجماعات الضغط والرأي العام أهم هذه التنظيمات .

التأييد ويعني النسق السياسي وهو وسيلة لتجنيد الموارد والمجتمع والطاقات بهدف تحقيق أهداف معينة ويقوم النظام السياسي بدعم أعضائه لكسب القدرة على الفعل، والحركة والنشاط لضمان استقرار القواعد القانونية و الهياكل التي يتم من خلالها تحويل المدخلات الى مخرجات والمحافظة على الحد الأدنى من الانسجام وقد يكون التأييد موجها للمجتمع السياسي أوللنظام السياسي ويساند القواعد العامة للعبة السياسية أو الحكومة مع وجود تأثيرمتبادل بين أعضاء بحيث اذا ارتفع أحدهما انخفظ الآخر مع وجود تأييد صريح وتأيد ضمني .

أما التحويل فهو مجموع النشاطات التي يقوم بها النظام ويحول عن طريقها مدخلاته المتمثلة في المطالب المساندة والموارد الى مخرجات تتم هذه العملية داخل بنية النظام السياسي وتتولاها أجهزتها المختلفة حيث تقوم بعملية التصفية والترتيب والتقديم وتأخير المطالب حسب الاهمية والحساسية .

أما المخرجات فهي مجموع الأفعال و القرارات الملزمة والسياسات العمومية والتوجيهات التي يخرجها النظام السياسي وهي ردود افعال النظام واستجابة للمطالب الفعلية المتوقعة التي ترد إليه من البيئة. وتتمثل في القرارات الختامية،الملزمة والغير الملزمة والتصريحات والأفعال الاقتصادية والاجتماعية والقوانين و المراسيم…

أما التغدية الاسترجاعية، فتتمثل في مجموع ردود الأفعال على مخرجات النظام السياسي، في شكل طلبات تأييد وموارد جديدة توجهها البيئة إلى النظام السياسي عبر فتحة المدخلات، في حركة دائمة ياخد من البيئة ويعطيها.

ويصعب اليوم الحديث عن الانتخابات أو الديموقراطية اعتمادا على مفاهيم ومؤشرات نظرية مستقاة من تجارب شعوب أخرى أو من أفكار علماء ومنظرين. بل يجب البحث في ظاهرة الانتخابات والمسار الديموقراطي ببلادنا انطلاقا من البنى التي تعمل فيه، وربطها بالثقافة السائدة وبالعادات والتقاليد، وبالتطور الاقتصادي والاجتماعي  وربطها بتخطي الخلافات الحزبية في على حساب المجتمع المغربي  كبنية أو كنسق كلي.

فظاهرة الانتخابات تتطلب الاهتمام بمؤشرات الوسط في عملية اتخاذ القرارات، وكيفية وضع القرار السياسي، واكتشاف مدخلات النسق والعلبة السوداء التي تطبخ فيها القرارات، ومخرجات التي تؤثر على المجتمع، بحسب نوع القرارات الصادرة اتجاه البيئة الداخلية، فتكون اما في صالح المجتمع وتخلق بذلك توازنا وتاييدا، واما ان تكون القرارات في غير صالح المجتمع فيتولد نفور من صانعي القرارات وبالتالي يتولد سخط عام.

وتعديل النسق يتطلب التميز بين تغير حالة النسق دون تحول خصائصه، وتعديلات داخل النسق التي تبدل خصائصه الأساسية. وتتم علاقة التفاعل في حالة التعديل الذاتي بشكل متوازن بين النسق  ومحيطه كانت التقلبات داخل الحدود المحدودة، وإذا تجاوزت الحدود وميكانيزمات التعديل الذاتي فهي تشكل بها عملية التعديل الاسترجاعي التي تسمح للنسق بالتصرف ازاء آثار أفعالها أو تحولاتها وإجراء التصحيح الذاتي .

ان ما يميز النسق السياسي المغربي في الظرفية الحالية هو بلقنة المشهد السياسي الحالي لا تؤهله للتجاوب التلقائي الطوعي مع النسق السياسي لأن الاحزاب السياسية منظبطة لأخلاقيات الانتماءات الحزبية والتعهدات الداخلية، بل ان الحياة الحزبية تعيش حالة من الانحصار وتفكيك الانتماءات الحزبية بحثا عن ملاذ جديد للاختباء وتصريف أزمة فقدان الثقة فيها كمؤسسات سياسية سواء من داخل البرلمان أو من داخل الحكومة، نظرا لكونها كلها تقريبا شاركت في الحكومات ومرت من تجارب ممارسة السلطة، وكانت التنائج ومخرجات العمل الحكومة متشابهة وغير مستجيبة لضغوطات البيئة الاجتماعية، بالاضافة الى أن الاحزاب تعيش  ازمة التمييز بين المسؤولية ونقيضها في أدوار نفس الفاعل، مثل الحكومة التي تصدر القانون وتعارضه والبرلمان الذي يتعارض دوره التشريعي مع الواقع الاجتماعي، والاجزاب التي شعارها الديمقرلطية التمثيلية وهي بعيدة فعليا عن احترام قواعدها، وخير دليل الترحال السياسي المصلحي الذي يعكس الخذلان والوعود الانتمائية الكاذبية والاتجار الذاتي باسم السياسة التي كانت عملا باسم المواطنين الذين تربطهم مبادئ ومصالح عامة.

بل ان دخول الحزب الحاكم في مواجهات مع مؤسسات رسمية من شأنه أن يحدث اضطرابا في النسق السياسي وارتباكا في العمل الحكومي الشيء الذي لم يسبق أن قام به رئيس حكومة من قبل، خصوصا التهجم على مندوبية السجون بالاضافة الى المحكمة الدستورية التي اعتبرت القاسم الانتخابي غير مخالف للدستور في حين  كان على المحكمة الدستورية النظر في مدى دستورية الهجوم ودستورية الخلط بين الحكومي والحزبي لدى الحزب الحاكم التي لا تدخل دستوريا ضمن اختصاصات الحكومة بصريح النص، خصوصا وأنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص الدستوري، والمساءلة على أساس الخلط بين الانتماء للحكومة والانتماء للأحزاب هي مهمة المحكمة الدستورية، كما أن مطالبة الحكومة بمساءلة النيابة العامة بالبرلمان فيها تطاول على استقلال السلطة القضائية وتتوجى الجمع بين السلط  ضدا في مبدأ فصل السلط، وهو ما لم يوجد في اي بلد ديمقراطي. كما أن الهجوم على المجلس الاعلى للحسابات هو تضييق للخناق على مؤسسة مهمتها الدستورية تكمن في الفحص والمراقبة لعمليات صرف الميزانيات ومرقبة مدى احترام الجماعات والمؤسسات لمبادئ شفافية صرف المال العام واحترام دفاتر التحملات و تشحيص الفساد في البلاد ورفع التقري السنوي لجلالة الملك .

كل هذا يؤشر على الاضطراب  في النسق السياسي حيث سوء تقدير وأداء الحكومة الدستوري قد يثير تدخل النظام السياسي واللجوء الى التحكيم الملكي طبقا للمقتضيات الدستورية لاسيما اذا استمر الهجوم عى المؤسسات رغبة في احداث تصدع في النسق وخلق مشاكل للنظام في غاياته الغير مباشرة.

ان النسق السياسي المغربي يحتاج الى تدخل النظام واعادة قراءة التفاعلات داخل النسق السياسي  وتجديد الفاعلين كالنخب وخفض عدد الاحزاب وتجميعها في شكل فيدراليات لتتنظيم وتوسيع تمثيل كل الاحزاب في البرلمان وتسهيل مشاركتها في الحكومة تفادا للهروب بالقرار وحتى تسهل الالتقائية والعمل الحكومي التضامني بدلا من العمل الحكومي المبني على الزعامة وتصدر الانتخابات.

ذلك أن القاسم الانتخابي سيمكن أحزابا من تجاوز الصعوبات التي كانت تحول دون وصول أحزاب صغرى الى البرلمان، كما أن الحياة السياسية المرنة تبقى هي الأقرب الى حكامة الممارسة السياسية وتكريس المرونة السياسية التي تسمح بالمشاركة في الحكومة . وفي هذا الاطار يمكن القول أن دور المعارضة السياسية شبه غائبة في مراقبة الحكومة وعليها اثارة مسؤلية الحكومة أما البرلمان عن اعمالها وخرجاتها وقراراتها ومنهجية اشتغالها، لأن الغاية من وجود الدولة والقانون هي الديمقراطية والتنمية.

*الدكتور أحمد درداري: رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات

Exit mobile version