الدول تعيش دورات تحتاج معها إلى التجديد. عندما نتحدث عن التجديد لا يعني أن ما سبق أصبح قديما ولكن في إطار استمرار الدولة هو مستمر لكن التجديد يعني تغيير النفس بملاءمة القوانين مع التطورات التي يعرفها المجتمع والمؤسسات. هذا ما يمكن استنباطه من مشاريع القوانين التي صادق عليها المجلس الوزاري، المنعقد مساء أول أمس برئاسة جلالة الملك، ونشير هنا بالأساس إلى مشروع القانون-الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، الذي تم إعداده تفعيلا للتوجيهات الملكية، وبناء على توصيات المناظرة الوطنية حول الجبايات المنعقدة في ماي 2019.
وحسب منطوق بيان الديوان الملكي فإن هذا المشروع يهدف “إلى التأسيس لنظام جبائي فعال وعادل ومنصف ومتوازن، يمكن من تعبئة كل الإمكانات الضريبية لتمويل السياسات العمومية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية وتحقيق الإدماج والتماسك الاجتماعي”.
جلالة الملك واع تمام الوعي بأهمية عنصرين أساسيين في ترسيخ الدولة القوية، العدالة والديمقراطية، وواع بأهميتهما وأهمية حقوق المواطنين، ولا يمكن الحديث عن عدالة وديمقراطية دون دمقرطة الجبايات، بمعنى إقرار قوانين جبائية تحقق العدالة بين المواطنين، بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي، فليس مطلوبا إثقال كاهل الغني كما ليس مطلوبا أيضا الضغط على المواطن البسيط، وبالتالي لا بد من تحقيق التوازن، أي ما يسمى العدالة الضريبية.
القانون الجديد يسعى إلى القطع مع الأساليب القديمة في جباية الضرائب، لأن استمرارها بتلك الطريقة قد يضر بالدولة والمجتمع، لأن الغرض ليس هو أن تتحول الدولة إلى دولة جابية وهي آيلة للانهيار بتعبير ابن خلدون، فقد يكون الأسلوب ملائما للوقت والزمن، لكن اليوم لابد من أدوات جديدة، من أجل تجديد الحقوق والواجبات وتجاوز الاختلالات.
كل ممارسة تكون فيها اختلالات، ومن لا يخطئ هو من لا يمارس، والوقوف على الاختلالات ومعالجتها هو أحسن طريق وأسلمها للدول، لأن الوقوف عليها يمكن من اختيار الطريق الجيد للخروج من المأزق، الذي تقع فيه كل الدول والمؤسسات، لكن تجديد الآليات هو الكفيل بتجاوز الإكراهات.
الإجراءات التي أفصح عنها المجلس الوزاري تتضمن أدوات وآليات مهمة جدا، تعتبر بالنسبة إلينا الطريق الصحيح لتجديد بناء الدولة الحديثة، بمعنى أن هذه الدولة مستمرة في البناء ومتواصلة الإنشاء، ولا تتوقف عند اللحظة، بقدر ما تتطلع إلى المستقبل.
ما يأتي اليوم هو مشروع متكامل في عناوينه الكبرى، فحتى لو كانت بعض الاختلافات في التفاصيل لكن الهدف معروف، فالمغرب يدخل اليوم في مرحلة بناء نموذج تنموي جديد لا يختف اثنان حول مضامينه الكبرى، وأي خلاف هو حول التفاصيل تتم معالجته في التدبير، ولهذا نرى أن المشاريع الكبرى جاءت في وقت واحد، أولها تعميم التغطية الصحية، على جميع المواطنين، في طريق القضاء على الاقتصاد غير المهيكل، ثم النموذج التنموي فالإصلاح الضريبي في طريق عدالة ضريبية.
تجديد هياكل الدولة
