في خطوة تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في خارطة الاستثمار الصناعي الدولي، قررت شركة “Sentury Tire” الصينية العملاقة، المتخصصة في تصنيع إطارات السيارات، العدول عن تنفيذ مشروعها الضخم في إسبانيا، موجهة بوصلتها نحو المغرب، الذي بات في السنوات الأخيرة قبلة مفضلة لكبرى الشركات العالمية في قطاع السيارات.
القرار الذي نُقل عن صحيفة “La Opinion” الإسبانية، يستند إلى متغيرات في المناخ التجاري الدولي، لاسيما الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على وارداتها من الاتحاد الأوروبي، والتي بلغت 25 في المائة، مقارنة بـ10 في المائة فقط على المنتجات القادمة من المغرب. ورغم أن هذه الرسوم أُقرت خلال ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، فإن آثارها ما تزال تلقي بظلالها على توجهات الاستثمار، خصوصًا في الصناعات المرتبطة بالتصدير نحو السوق الأمريكية.
المصنع الذي كان من المنتظر إقامته في منطقة “أس بونتيس” شمال غرب إسبانيا، باستثمار يناهز 500 مليون أورو، لم يرَ النور بسبب تعثر مسار التراخيص البيئية، في وقت كانت فيه الشركة تسابق الزمن لتوسيع قاعدة إنتاجها في طنجة المغربية، حيث ضخت 360 مليون أورو إضافية لرفع طاقتها الإنتاجية إلى 12 مليون إطار سنويًا، وهو الرقم نفسه الذي كان مخططًا له في إسبانيا.
اللافت أن هذا التحول لا يعكس فقط حسابات الرسوم الجمركية، بل يكشف عن تحوّل أعمق في منطق الربحية وجدوى الاستثمار. فالشركة الصينية، بحسب تقارير بورصة شينزن، تحدثت عن “تحسين فعالية الأموال المستثمرة” و”متطلبات التنمية الاستراتيجية طويلة الأمد”، في تلميح واضح إلى أن المغرب بات أكثر تنافسية، ليس فقط من حيث الكلفة، بل أيضًا من حيث جاهزية البنية التحتية والوضوح التنظيمي.
إسبانيا، من جهتها، بدا أنها فوجئت بقرار الشركة، حيث قالت ماريا خيسوس لورنزانا، مستشارة وزارة الاقتصاد والصناعة الإسبانية، إنها “تجهل مستقبل المشروع”، مؤكدة أن المستثمر الصيني لم يُكمل إجراءات التصريح البيئي. وقد أثار هذا التصريح نقاشًا داخل الأوساط الاقتصادية حول مدى نجاعة الإدارة المحلية في مواكبة المشاريع الاستراتيجية.
ورغم إعلان الحكومة الإسبانية عن خطة دعم اقتصادي ضخمة بقيمة 14.1 مليار أورو لمواجهة تداعيات السياسات الحمائية الأمريكية، فإن محللين يرون أن الخطر الحقيقي يكمن في فقدان ثقة المستثمرين، خاصة إذا ارتبطت العراقيل بعوامل بيروقراطية داخلية.
في المقابل، يبدو أن المغرب، الذي جذب في السنوات الماضية استثمارات كبرى من شركات عالمية مثل “رينو” و”ستيلانتيس”، بات يُقدَّم كنموذج لصناعة ناشئة صاعدة في الضفة الجنوبية للمتوسط. قربه الجغرافي من أوروبا، إلى جانب اتفاقيات تبادل حر مع الولايات المتحدة وعدد من القوى الاقتصادية الكبرى، يمنحه موقعًا فريدًا في سلاسل التوريد العالمية.
ويؤكد هذا التحول الصيني أن معركة التنافس الصناعي في المتوسط لم تعد محسومة لصالح العواصم الأوروبية التقليدية، بل باتت مدن مثل طنجة مرشحة للعب أدوار متقدمة في الجغرافيا الصناعية الجديدة.