لا شيء يُبرر التخريب مهما كانت دوافعه، وما حدث في أعقاب مباراة فريقي الجيش الملكي والمغرب الفاسي، من أعمال شغب مدان بكل المقاييس والمعايير واعتداء على حرمة الغير، بل طال الاعتداء البئيس حتى عناصر الأمن، مما يقتضي التعامل بصرامة مع المتسببين فيه، لكن هذا لا يمنع من أن نعرف خلفياته. تقع أحداث الشغب المرتبطة بالرياضة أو الإلترات بين الفينة والأخرى، لكن ما الدافع لها الآن بعد وقت وجيز من فتح الملاعب في وجه الجمهور؟
لا يمكن حاليا حصر ما حدث في أحداث شغب ذات بعد “رياضي” مرتبطة بمواجهات بين جمهوري فريقين لكرة القدم، وإن كانت إحدى الفواعل لذلك، ولكن ما وقع تعبير عن التوتر، الذي ينبغي أن تجد له الحكومة حلا جذريا، فالقصة خطيرة لأن التوتر يجعل كل التجمعات منبعا للاحتجاج بل للتخريب، وما وقع في سوق أحد ولاد جلول نواحي مدينة القنيطرة لا يخرج عن هذا السياق.
الذي جعل مجموعة من المخربين تحول السوق إلى فوضى هو نفسه الذي حول ملعب كرة القدم ومحيطه إلى خراب وحرب شوارع، ونعيد مرة أخرى تكرار الحكاية من الأول “ما لا يمكن تبريره يمكن تفسيره”، إذا كان التخريب لا يمكن تبريره تحت أية ذريعة فهو يحتاج إلى تفسير حتى لا يتحمل المسؤولية الفاعل الرئيسي وننسى المحرك الأساسي، لا يمكن أن نركز على المظاهر وننسى الجواهر، المتسببة الأولى في هذه الأحداث.
أي تركيز على المظاهر هو مغالطة في رؤية الأشياء لأن الجواهر هي الحاكمة، وأحيانا تتحرك دون أن يراها أحد، وتنعكس تجلياتها في مظاهر محددة، مثل ما شاهدناه في السوق والملعب. طبعا المتورطون في أي أحداث شغب ينبغي أن يعاقبوا بل ينبغي أن تنزل بهم أقصى العقوبات وأقساها ولا رحمة ولا شفقة في كل من يريد سوءا بالبلد، لكن المحرك الجوهري ينبغي محاسبته هو الأول.
يعيش مجتمعنا هذه الأيام توترا نتيجة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، بل إن التوتر هو ناتج تراجع أحزاب الأغلبية عن وعودها الانتخابية، حيث لم نر زيادات في الأجور كما وعدوا الناخبين ولم نر ترسيما للمعلمين ولا رفعا من أجورهم ولم نر سوى الزيادات في الأسعار.
لقد رفع أخنوش السقف عاليا، وصعد إلى الجبل مما جعل نزوله الآن صعبا للغاية، ولكن يمكن أن يكون هناك حل أو حلول عن طريق فتح نقاش عمومي، لأن ما وقع هو فشل لمنظومات كثيرة، منها التعليم والتشغيل، والحكومة مسؤولة عنها، وبما أن الأمور ما زالت قابلة للإصلاح ينبغي إصلاحها قبل وقوع الفأس في الرأس ويتكسر كل شيء. أحداث الشغب مرض ناتج عن عوامل عديدة، لكن اليوم الفاعل المحرك الأساسي هو إجراءات الحكومة التي جعلت من كل تجمع بشري عنوانا للفوضى.
تخريب إلترات أم احتقان اجتماعي؟
