إدريس عدار
يوشك المعرض الدولي للكتاب أن يطوي صفحته لهذه السنة. كان مناسبة للعديد من المثقفين والقراء لاقتناء الجديد. لكن أبرز غائب هو “المعرفة العلمية” القريبة من القارئ بصيغة الجمع.
بين يدي مجلة “البحث..علوم ومستقبل” الفرنسية، بغلاف مثير للغاية “تليسكوب جيمس ويب..تاريخ جديد للكون”. ملف يمكن أن يقرأه أي واحد، وقد يبدو للمهتم ومن يكتسب حدا معينا من المعرفة العلمية أنه عادي جدا. ليس مهما ما جاء فيه طبعا. ولكن لماذا لا توجد لدينا صحافة “تعميم المعرفة العلمية”؟
في حدود ما أعرف من برامج تهتم بتعميم “vulgarisation” المعرفة العلمية لا يوجد سوى برنامج “علم وحضارة” على القناة الأولى، الذي يقدمه علي بمنخلوف، صاحب الكتابات الفلسفية المتعددة، ويبدو لي أنه برنامج يقدم المعرفة العلمية لغير المتخصصين، واستطاع تمكين المشاهدين من الحد الأدنى من المعرفة العلمية، حيث يستضيف خبراء وجامعيين وبروفيسورات. غير أن البرنامج لا يبث في وقت يساعد على مشاهدته بشكل أكبر.
في الكثير من الدول الغربية تصدر مئات المجلات التي لا يمكن وصفها بالعلمية وهي غبر “مُحكمة” ويشتغل فيها صحفيون لهم القدرة على تصريف المعرفة العلمية خارج لغة المعادلات، كما تصدر عشرات بل مئات الكتب سنويا ومنها كتب يكتبها متخصصون بل حتى علماء رياضيا وفيزياء وحاصلون على جائزة نوبل، ويكفي أن نذكر “موجز تاريخ الزمن” لهوكينز وتلميذه كريستوف كالفار بكتبه المتعددة ومنها “الكون في قبضة اليد” وكتابه عن الثقوب السوداء، ونذكر كتاب الفيزيائي الإيطالي كارلو روفيلي “نظام الزمن” بل يمكن الذهاب بعيدا إلى الوراء لنعثر على كتاب لأنشتاين حول “النسبية” لا يتضمن سوى معادلة وحيدة.
تقرأ هذه الكتب كأنك تقرأ قصيدة شعر لقدرة أصحابها على الإبحار بك في عالم الكواكب والمجرات وحتى في عالم الكوانتا وعلم الأشياء الأكثر صغرا في الكون، لكن دون تعقيدات لا يمكن أن يستوعبها سوى المتخصصون.
تشعل التلفاز يمكن أن تعثر على عشرات البرامج العلمية الموجهة للعموم بل فضائيات متخصصة في العلوم، كما نعثر على شخصيات استطاعت الجمع بين التخصص الدقيق في العلوم والقدرة على التسويق للعامة مثل الإخوة بوغدانوف بفرنسا، اللذين ذهبا ضحية فيروس كورونا، فواحد متخصص في الرياضيات والآخر في الفيزياء لكن أنجزا برامج عديدة منها “الزمن-x” وغيرها وكتب كثيرة ك”نهاية الصدفة” و”وجه الله”و”شيفرة الكون” وغيرها وكلها موجهة للعموم.
تعميم المعرفة العلمية ليست شيئا نافلا يمكن القيام به أو لا يمكن القيام به، بل يعتبر ضروريا حتى تصبح العلوم مألوفة عند المجتمع، ويمكن تسويقها عبر السينما لأنها تفتح المجال ل”التخييلات” وبناء حقائق مغايرة لكنها غير واقعية أي مقبولة علميا مستعصية عمليا أ الفيزياء المستحيلة بتعبير الياباني الأمريكي متشيو كاكو.
تعميم المعرفة العلمية يحد من سطوة المعرفة غير العلمية بل يضع حدا لدعاة العلم ولم تمر بأدمغتهم معادلة واحدة، ويمكن النهوض بهذه المهمة من قبل أصحاب المعرفة العلمية إذا اقتربوا من المعارف الأخرى وخصوصا الفلسفة.
تعميم “المعرفة العلمية”
