سناء البوعزاوي
في خضم حياتنا المعاصرة والعصر الرقمي وبسبب عامل الضغوطات الإجتماعية و الأسرية و الصحية ،و كذا الضغوطات الإقتصادية ، أصبح مفهوم الضغط النفسي أمرا شائعا و متداولا بل وحليفا لأغلب الناس خصوصا في المدن الكبرى ، حيث المساحات الجغرافية تكون ضيقة فتأثر على نفسية الفرد .
بمكن أن نقول كذلك أنه عبارة عن وضع صحي و طبيعي إلى حد معين ، حيث يعتبر الضغط منخفض المستوى مفيدا أو محفزا في بعض الأحيان ، يمكن أن يأتي من جوانب حياتية مختلفة كمثلا؛ زيادة أعباء العمل ، فترة انتقالية ، مخاوف مالية جديدة و قائمة ، لكن المشكلة تكبر و تنبثق عند تراكم كل الضغوط فوق بعضها البعض ، فيشعر الفرد بالإنزعاج ، و ضيق التنفس وقد يقود إلى مشاعر أكثر حدة ، يتخطى تأثيرها على النفس إلى الجسد.
في هذا المقال ستسلط الضوء على الضغط النفسي في العمل وهو من أكثر الأشياء التي تؤرق أغلبية الفئة النشيطة و التي بتطورها تصبح الحياة معها شبه مستحيلة بل و تؤدي إلى الإحتراق النفسي .
وفقا لمنظمة الصحة العالمية ،تم تصنيف الإرهاق ،متلازمة ناتجة عن الإجهاد والتوتر النفسي في مكان العمل .فعندما تبدأ الصحة بالتأثر يفقد الشخص طعم الحياة و بالتالي عدم الرغبة في العمل أو لربما ينتج عنه قرار التخلي نهائيا عن العمل أو البحث عن آخر أقل إجهادا وضغطا ، وبين ذلك وذاك وخصوصا في الوضعية الحالية ، التي أصبح فيها الطلب أكثر من العرض في مجال العمل ككل ، يمكن أن ينتج عن هذا القرار عدة مشاكل التي لربما تكون وخيمة على الأسرة المحيطة بذلك الشخص و المجتمع ككل .
فمما لا يدع مجالا للشك أن الشخص الذي يضطر إلى التخلي عن عمله بسبب الضغط النفسي سيؤثر هذا القرار لا محالة على نفسيته و على مدخوله و على معيشته ككل ، و بالتالي على أسرته و على عائلته المرتبطة به و كل إلتزاماته و لربما لا قدر الله بحثه عن عمل جديد يمكن أن يبوء بالفشل فيصبح بهذا أمام معضلة صحية ، اقتصادية وكذا اجتماعية .
وكما يقول المثل الشهير الوقاية خير من العلاج ، و لكي نحيد عن كل هاته الأضرار المترتبة عن الضغط النفسي في العمل على الفرد أن ينشئ حدودا بين العمل و المنزل ، فلا يتحدث الشخص مع زوجه عن مشكلة ولو بسيطة مرت خلال اليوم في العمل حتى تبقى تلك المشاكل حبيسة ذلك المكان لا تخرج منه .
لكن من جهة أخرى يجب أن يكون لك مجموعة من الأشخاص تتحدث معهم في العمل لكي لا تحسبالعزلة وتنمية الإحساس بالانتماء ، لكن بعيدا عن بيتك .
هناك نقطة أخرى مهمة ، لكن لا يمكننا التعميم في تطبيقها لأن لكل عمل خصائصه ولكل شخص مسؤولياته ، فمهم جدا أن تكون للإنسان حياة خاصة بعد العمل يجد فيها متسعا لراحة الجسد و هناء البال ، فيجعل هاته المساحة خاصة و مقدسة لا يقتحمها اتصال أو رسالة من العمل ، فهاته المساحة هي التي تشحنه إيجابيا و تعطيه قوة لبدء يوم عمل جديد. فرأس مال الشركة أو الإدارة هي عمالها ، فهم الوقود الذي يدفع بها إلى الأمام ، و قد بدأ منذ زمن غير بعيد ، التركيز على تكوين الموارد البشرية ، لتكون ملاذا للعمال ، و مناقشة المشاكل المحيطة بالأعمال المنوطة بها ، و الأخذ بعين الإعتبار ملاحظاتهم ، فأصبحوا أكثر ارتياحا وتنمى لديهم حس الإنتماء ، بل أكثر من هذا ارتفعت المردودية فتكونت علاقة “ربح-ربح” بين كلا الطرفين .
فعلى سبيل المثال في 15 فبراير 2022 ، أعلنت بلجيكا سلسلة من القوانين الجديدة الخاصة بالعمل من بينها إعطاء الحق للعامل في العمل أربعة أيام أسبوعيا بدل خمسة ، لتنضم إلى عدة دول من بينها دولة الإمارات التي صرحت هي كذلك بإمكانية العمل أربعة أيام . زيادة على هذا سيتمتع الموظفون في الشركات التي يعمل بها أكثر من 20 موظفا في الدولة بالحق القانوني في قطع الإتصال عن العمل، أو الرد على بريدهم الإلكترونيفي نهاية اليوم .
فبحسب رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو ، فإن الحكومة تريد منح الناس مزيدا من الحرية في حياتهم ، وكذا الشركات الحرية في طريقة شغل وقت العمل ، فالوعي يزداد أكثر فأكثر بالثروة البشرية ، وكل واحد منا عليه أن يعي بصحته النفسية قبل كل شيء ، و يتقبل الضغوط بذكاء و التمرين على التمويه الذكي للمشاكل .
و الأساس من كل هذا ، هو أن على الفرد أن ينعم بالنوم الجيد لأنه هو اللبنة المتينة لنشاطك اليومي ، و مزاجك و قدرتك الجسمية و الفكرية ، و إذا كان بالإمكان أخذ استراحةالغذاء لدقائق معدودة كان أحسن ، و ما يصاحب هاته الفترة من أكلات غير ثقيلة و غير مصنعة ، لأن الغذاء هو كذلك عامل مهم في التأثير على نشاط الإنسان ،مرورا بالنظام الذي هو أساس النجاح ، و هو الذي سيساعدك في ربح الوقت الذي يكون غالبا سبب الضغط ، فالكل يدور حول حلقة متماسكة إذا تداعى أحد عناصرها ، تداعت كلها أو جلها .
ولا ننسى الجانب الروحي الذي يبث فينا طاقة مهمة بالتذكر دائما أن العمل عبادة ، و بما أننا تكلمنا على الجانب الروحي فمهم جدا أن نعطي للروح حقها ، كأن نخرج بين الفينة و الأخرى إلى الطبيعة ، و نطلق العنان للنظر في المخلوقات و جمال الأشجار الخضراء ، حتى لا تبقى أعيننا حبيسة المكتب و شاشات الحاسوب ، فهذا يغذي الروح و الجسد كما يقول علماء رياضة “اليوغا” ، طاقة الجسد ،وطاقة الروح و طاقة العقل يجب أن نتمكن من جمعهم في صرح واحد و نحو التوجه نفسه ، ففي الإتحاد قوة .
تمويه الضغط النفسي في العمل
