Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

جوارب ذكية وأخرى بلا لون

إدريس عدار
الجاسوسية مهنة قديمة جدا. تكاد تضارع مهنة الدعارة. مهنة بنت الحرام، يمارسها الجميع ويتبرأ منها الجميع. لا أحد يفتخر بالتجسس. لما يتم القبض على أي جاسوس تتنكر له بلاده أو تغير الصفة التي يحمل، يصبح باحثا في علم الاجتماع أو سائحا أو مجرد موظف سفارة. أكثر موظفي السفارات هم عملاء مخابرات، لكن لا أحد يقر بذلك. يتواطأ العالم على ممارسة “التخابر” لكن من غير المقبول أن يخطأ أحد في هذه الممارسة تمزج بين السر والعلن.
واحد في العالم وفي كل الدنيا يفتخر بأنه يتجسس على المواطنين. هو عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، الذي اكتشف أن الوزارة تمتلك ما بواسطته قد تعرف لون الجوارب. يقال إن أول من مارس التجسس هو “تحتمس”، ملك فرعوني، وأول دفعة من الجواسيس دخلت حيفا ملفوفة في أكياس الدقيق، فبعد أن حاصرها مدة طويلة ولم يتمكن من اختراقها قرر أن “يتجسس” على أهلها، فأفتى له أحد معاونيه بإدخال 200 عنصر من الجند وسط أكياس الدقيق. وهو ما كان. غير أنه لم يكن مسرورا بذلك.
إذا كانت مدعاة للفخر كان صانعها هو أولى بذلك. تعتبرها الدول ضرورة لكن المباهاة بممارستها يضر بها كثيرا.
نسي “الوزير الضرورة” أن “القدرة على معرفة لون الجوارب” ليست سلطة للإقناع بل سلطة للقمع. قمع يراد به الإقناع، لن الوزير لا يمتلك أصلا هذه القدرة. بل لا يملك سبيلا لمعرفة ما يجري في مكتبه بالوزارة.
تحدث الوزير مبالغة فيما يمكن أن يعرف. من يعرف لون الجوارب يعرف أكثر بالنظر لخصوصيتها.
ولكن أي صنف من الجوارب؟ هل هناك جوارب ذكية بواسطتها يراقبنا الوزير ويحصي حركاتنا وسكناتنا؟ وإذا توفرت سنلجأ إلى جوارب لا تضبطها أدوات التجسس بوزارة العدل وهي تضاف إلى وزير يسارع الخطى نحو هدف غامض. لكن بالسرعة قد يلقى حتفه السياسي.
لكن هناك جوارب بلا لون. وهناك أقدام لم تمسسها الجوارب قط. أناس يلبسون ثيابا أذهبت الشمس لونها. الجوارب حلم بالنسبة إليهم. وإذا توفرت لن يرموها حتى يصبح استعمالها مستحيلا. الأقدام المتشققة ليست في حاجة إلى جوارب. أحذية لا تق من شيء. جوارب الكادحين لا يريد الوزير أن يتذكرها. يمكن أن تتوغل في النسيان لكن الواقع يستعصي على ذلك. الماضي حاضر قائم أمام أعيننا ليس في القرى البعيدة من المغرب العميق لكن في الأحياء الهامشية بالمدن الكبرى.
ماذا أنت فاعل أيها الوزير بالنسبة لجوارب لا لون لونها وأخرى تنبئ رائحتها عن قيمة الكادحين لدى “تجار الدنيا”؟
لم نسمع مسؤولا يتسلط على الناس بقدرته على التجسس. والمخبرون يكتبون مذكراتهم بعد نهاية مشوارهم وأحيانا يرحلون دون الحديث عن ذلك حتى في المقهى. فكيف لوزير يعلن في بداية مشواره أنه “جاسوس كبير”؟

Exit mobile version