إدريس عدار
تكتسي الصورة بعدا سيميائيا لا يمكن تفاديه. كما أن الفيديو له اتجاهات في البحث عن المعنى. وللمكان دلالة في تأويل الكلمات. والإشهار عندما يكون توجيهيا فهو ليس بريء، والإشهار عموما قصدي بطبعه.
أثار انتباهي وصلات إشهارية “توعوية” حول تدبير استهلاك الماء. يبدأ الحديث عن الإجهاد المائي وينتهي بالدعوة إلى الاقتصاد في الماء، الذي يعرف نقصا كبيرا. نحمد الله تعالى أن أنعم علينا بأمطار الخير وثلوج تتحول إلى ماء، وإن كانت تُحول حياة الناس إلى جحيم يتميّز الناس من زمهريرها.
في هذه الوصلات دائما يصورون مطبخا رديئا وسيدة تغسل ما يسمى أواني لم تعد لصالح لأكل الجراء، تم يخرج صوت لينصحها بالاقتصاد في الماء. وصلة أخرى تتضمن فيديو عن سيدة تُحمم ابنها في العراء وتفرغ الماء فوق رأسه، فيأتيها صوت بأن تقتصد في الماء.
سؤال واحد سقط على رأسي: لماذا لا يصورون صاحب الفيلا وهو يسقي العشب دون استعمال تقنيات “التنقيط” ويضيع ما شاء الله من الماء؟
لماذا لا تنتقل الكاميرا إلى عشرات الضيعات التي تستهلك كميات كبيرة جدا من الماء. أي عشرات وأنت تمر يوميا على ما يشبه العشرات في طريقك بل قل مئات الضيعات؟
النصيحة توجه لفئة تقتصد رغما عن أنفها في الماء خوفا من “العدّاد”. هذا شأن أهل المدن، يبدؤون في المصاريف قبل الخروج من المنزل. يُضيء الإنارة فيحسب العداد بضعة دراهم. يفتح الصنبور يحسب العدّاد بضعة دراهم. لا تكترث بحديث من قال “اضغط على الزر يشعل الضو دور الروبيني يخرج الما”. هي مصاريف تبدأ بها يومك قبل القهوة وما تسد به رمقك.
النصيحة يلزم توجهيها لفئة لا تؤدي ثمن الماء. يسقون ضيعات وفيلات متسعة دون أداء درهم واحد.
أي صورة كنا سنرى لو أن من كان يوجه الناس بالاقتصاد في الماء كان صادقا؟ هل كنا سنرى مقلاة علاها الصدأ وإبريق يصلح لأي متحف يؤرخ للفقر؟ أم كنا سنرى فواكه وأشجارا؟
الفقرات التي نرى فيها أصحاب الضيعات واحدة لا ثاني لها. عندما يكون المنتوج ضعيفا أو يصاب نتيجة كارثة طبيعية، حينها يتوجهون بخطاب يتشفعون فيه إلى الوزارة الوصية، ولا نعرف من الوصي على الآخر، كي تمنحهم تعويضات عن الخسارة.
الفقراء هم غالبية السكان. طبعا يحتاجون إلى كميات كبيرة من الماء. وليس عيبا أن نقتصد في هذه المادة التي منها كل شيء حي. لكن كالعادة: إذا ارتفعت المحروقات يؤدي بسطاء الناس الضريبة وتستفيد الشركات الكبرى من هدايا ضريبية وتتضاعف أرباحها. الأزمة مخصوصة لفئة معينة. الربح والانتفاخ لفئة أخرى أو أقلية الأقلية.
الصورة التي يقدمون لنا قصد الاقتصاد في الماء، والفيديو الذي تبثه القنوات، نستنتج منها عبارة واحدة: يا وجوه البؤس حافظوا على الماء كي نسقي ضيعاتنا!!!
حافظوا على الماء كي نسقي ضيعاتنا!!!
