محمد فارس
على القارئ الكريم أن يتصوّر المتاعب الجمّة التي يتلقّاها كلّ من يحاول أن يجمع هذه الحروب في رقعة واحدة دون ذِكْر أسبابها وملابساتها، لأنّ ذلك لا تَسْمح به المقالة، ولكنّ مَعرفة هذه الحروب، تمكّنُ القارئ النّبيه من معرفة كذْبة مقولة السلام في هذا العالم الـمُضْطَرب والـمُتناحرة أُمَمُه كلّ لحظة وحين، وقد صدَق [هايْدغِير] عندما قال قولتَه المأثورة: [التاريخُ يوجد أمامنا لا خلْفنا] بدليل أن حروبَ القرن (19) مهّدت لحروب القرن (20)، وكل من يجهل هذه الحقيقة، يجهل ما يحدث الآن، ونحن للأسف الشّديد أمّةُ اِقْرَأْ، لا تَقْرَأ وتلكُم مصيبتُنا اليوم، وهي مصيبةٌ تتمثلّ في أنّنا نعيش في عالم لا نعْرف من أمْره شيئًا ولا نَعِي تاريخَه إطلاقا، ومن يجهل تاريخه، مُعَرض دومًا لتكرارِ أخطائِه ومآسيه، هكذا قال علماءُ التّاريخ..
[معركة إيلان: 1807] هي إحدى المعارك التي دارت بين الجيوش النّابوليونية وجيش (روسيا)، وقد عانى [نابليون] من الاكتئاب بعد هذه المعركة بسبب جُنده المرهقين والكارهين للقتال.. [معركة فريدلاند: 1807]، هي إحدى المعارك التي دارت بين جيش (نابليون) والجيش الروسي، فوُقّعتْ هُدْنة وكانت شروطُ [نابليون] قاسية مع إمبراطور (بروسيا)، وعادت ملكَةُ (برلين) مكسورة القلب، وماتت وهي في (34) من عمُرها، وسوف تُثْبت الأيامُ لنابليون أنّ هذا المؤتمر لا يعوّل عليه إطلاقًا.. [حربُ سرقُسْطة ضدّ فرنسا: 1808 ــ 1809]: الحصارُ الأول كان سنة (1808)، لكن أُجْبِر الفرنسيونَ على رفْع الحصار؛ ولكن سُرعان ما حوصِرتْ (سَرقُسطة) آخر عام (1808 ــ 1809) ولكنّها استسلمت هذه المرّة بعد مقتل نحو من (50) ألفًا من جنودها في هذا الحصار.. [حربُ الجزيرة الثانية: 1808 ــ 1809]: خلال هذه الحرب، جاءت أنباء إلى [نابليون] تُفيد أنّ مؤامرة تحاكُ ضدّه على يدِ (تاليرَان)، فلم يتمكّن من تعقّب الأُسطول البريطاني. [موقعة الإبْرو: 1808] هي موقعة حدثَتْ قُربَ مدينة تطيلة في نِڤار بشمال إسبانيا، وقد أحرز فيها الفرنسيون نصرًا باهرًا.. [معركة إكموهل وإسلنج: 1809] وهي إحدى معارك (نابليون) مع [النّامسا] كانت النتائجُ وخيمة فتراجعَ الجيشُ الفرنسي مدحُورًا..
[حروبُ السّيخ: 1809 ــ 1848] هي الحروب التي دارتْ بين السّيخ و(بريطانيا)، فعقَد السّيخُ معاهدة مع الإنجليز قبِلوا فيها أن يكونَ نهر (سوتلج) الحدَّ الجنوبي لبلادهم، لكنّ زعيمهم (جنْدان) لم يكُن يثِق في نوايا الإنجليز، فقام بعبور النهر عام (1845) في جيش له كي ينقضَّ عليهم بسرعة، لكنّه هُزِم سنة (1846)، فأُجْبِر على قبول الحماية، ثمّ أُكرِهَ على انسلاخ (كشْمير) عن (الهند).. [حروب أمريكا الجنوبية ــ إسبانيا: 1810 ــ 1822]: هي الحروب التي نَشبتْ بين ثُوار أمريكا الجنوبية وبين إسبانيا، وقد كان (سوكْريه) و(بوليڤار) هما قائدَيْ هذه المعارك الجارية في تحرير البلاد وتأسيس جمهورية (كولومْبيا) فيما بعْد على يدِ (بوليڤار).. [معركة جسْر كالديرون: 1811]: هي إحدى المعارك التي جَرتْ في (المكسيك) وهي المعركة الفاصلة بين الإسبان والمكسيكيين أثناء الثّورة المكسيكية.. [موقعة تيمز 1812]: هي إحدى المعارك التي جرت في أثناء ما عُرِف بحرب (1812)، ودارت رحاها قرب (تشاتام) الواقعة على نهر جنوب (أونتاريو) في [كندا]، وكان النّصر فيها لـ(الولايات المتحدة) تَمّ إثْره استرجاع النفوذ الأمريكي على الشّمال الغربي..
[معارك نابليون في روسيا: 1812]: ناشد (نابليون) جنيرالاتِه، كما ناشد رعاياه أن يَنظروا إلى المشروع كحرب مُقدّسة تشنُّها الحضارةُ الغربية ضدّ موْجة غرور البربرية الرُّوسية، لكنّ الفرنسيين المتشكّكين كانوا قد سمِعُوا مثْل هذه الحكايات من قبْل، وقد كانت [روسيا] بعيدة، بُعْدًا يكفي لعدم إرهابهِم، وحاول (نابليون) إلهابَ مشاعِر جنيرالاتِه، إلاّ أنّهم لم يَكادُوا يصيخون إليه سَمعًا، لأنّهم كانوا ضدّ الحرب الجديدة، لأنّها في رأيهم دعوةٌ إلى مأساة، وكان كثيرون منهم قد غَدَوْا أثرياء، وكانوا راغبين أن يُتركوا ليَنعموا بها في سلام؛ كان قوامُ جيشِه ستّ مائة وثمانين ألف مُقاتل، مِن ضِمْنهم مائةُ ألف من الفرسان، وأعداد من المسؤولين السّياسيين، والخدَم، والنِّسوة الـمُرافقات، وأقلّ من نصف العدد من الفرنسيين، وأما سائرهم فكتائب عسكرية مطلوبة من كلِّ الدّول الأوروبية؛ غادر (نابليون) [سان كلو] في (09) من (مايو) عام (1812) في رحلة إلى [موسكو]، غيْر عادية.. فهِمَ (نابليون) بشكلٍ متأخِّر ما لم يفهمْه من أمور الشّعب الرُّوسي الذي لم يَنهزمْ في حرب داخل بلده قطّ؛ لقد عاد (نابليون) إلى (باريس) تاركًا جيشه الذي فقد الانتظام، وتحوّل إلى لصوص، وتُجّار، وخلال العودة الطويلة أنهكهم البرد والثّلج، ومنهم من جرفه نهرُ (بِريزينا)، وعمدَ الرّوسُ إلى إحراق (موسكو)، وطاردَ (الكوزاق) الفرنسيين في الطرقات، وقامتِ الطّبيعةُ القاسيةُ بعملها وتمتّعتِ الدّببَةُ البيضاء بأكل لحوم الغُزاة، ثمّ التاريخُ يتساءل: ماذا جنى (نابليون) من هذه الحرب؟ كانت تلك هي بدايةَ نهاية (نابليون)..
حروبُ القرن (19) مهَّدت لِحُروب القرن (20)
