Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

حكاية المغربي الذي يعبر الواد عطشانا

إدريس عدار
عندما تزور كثيرا من المدن المغربية، أو تتورط في زيارتها، ستكتشف أن سكانها يعانون من ندرة الماء. توزعه عليهم المصالح المختصة بالقطرة. انقطع الماء عن مواطنين يوم عيد الأضحى. سكان الطوابق العلوية لاحظ لهم في الاستحمام لأن الصبيب ضعيف جدا. في مدن تتجند العائلة ليلا لتملأ براميل بلاستيكية والأواني بالماء. عندما تصعد الشمس يكون الصنبور بدون ماء.
في بلاد الدنيا دول تعاني من ندرة الماء وشح موارده. بلدان أخرى تعاني من اشتراك منابع الماء، مثلا عدة دول تحيط بنهر النيل وتنشب صراعات بشأنه مثلما يحدث اليوم بين مصر وإثيوبيا، وفي الشرق الأوسط، وكثير من الصراعات تختفي تحت عناوين الطاقة بينما الأصل فيها الماء.
نحن في بلد لا نعاني من شح الموارد المائية ولا من قلته. وكما يعيش المغرب كجزيرة في محيطه، بتعبير عبد الله العروي، فإن هذه البلاد أنعم الله عليها بأن أنهارها غير مشتركة. لكن لماذا نعاني من ندرة المياه حتى أن بعض المدن والقرى مهددة بالعطش؟
على صغري كنت أسمع أغنية شعبية تقول “للا منانة قاطعة الواد وعطشانة”. تعبير بليغ جدا. عبور النهر يفرض أن المرء فوق الماء. فوق مصدره. لكن ليس بقدرته الوصول إليه وإرواء العطش. في الحروب القديمة كانت الجيوش تسيطر على منابع الماء كإجراء أول للسيطرة على المعركة. في الحروب الحالية يتم قطع الماء عن المدن كي يفقد جيش الخصم حاضنته الاجتماعية.
نحن بلا حرب، وقانا الله شرورها وأشرارها، لكن هناك من يقطع علينا الماء. المغرب لا يعاني من شح الماء ولكن من “الإجهاد المائي” كما ذهب إلى ذلك تقرير للبنك الدولي. وعندما يصدر حكم عن مؤسسة دورها إنهاك الدول فأعلم أن “السكين وصلت إلى العظم”.
الإجهاد المائي مسؤولية محصورة ولا يمكن أن نعممها على الشعب. حتى لو طلبنا من المواطن عدم الإكثار من استعمال الماء. وأغلقنا محلات غسل السيارات وقطعنا عيش العاملين فيها. وحتى لو فرضنا الاستحمام بشكل محدد خلال الأسبوع، لن نحل المشكل.
الإجهاد المائي كان أمرا مقصودا قصد تحقيق الأرباح. قضى المغرب الأخضر على المغرب الأصفر. حل البطيخ الأحمر ذو اللون القاني محل الشعير والأفوكا محل القمح والذرة. جاءت حرب أوكرانيا فاكتشفنا أن الأمن الغذائي مجرد إنشاء على لسان المسؤولين. زراعات تستنزف الفرشة المائية ولا يستفيد منها إلا “الكبار” مكان زراعات تؤمّن الغذاء للمغاربة ولا تتطلب سقيا.
هذه حكاية المغربي الذي يعبر الواد عطشانا. لا حق للمغربي في شربة ماء لأن “كبار الفلاحين” يحتاجون ملايير المترات المكعبة لسقي البطيخ الأحمر، المعد للتصدير. لاحق لنا في ذلك لأن أصحاب المصالح الكبرى يريدون منافسة أمم بفواكه تحتاج كميات كبرى من الماء بينما تنبت وتنمو وتكبر وتنضج عند الآخرين في البراري دون أن تكلفهم قطرة ماء.

Exit mobile version