محمد عفري
لم يكن مفاجئا أن تصمم حكومة أخنوش قانون مالية 2022 على حساب الحَلَقة الأضعف في المجتمع المغربي، وهي المواطن الذي يشكل عَصَب الطّلب الداخلي على الاستهلاك، وباستهلاكه النوعي والمتعدد، يشكل رافعة النمو الاقتصادي، إن لم يكن يشكل أساسَ الاقتصاد الوطني.
هكذا، اختارت حكومة “ثلاثي” التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال بقيادة “الرايس” أخنوش أن تكون ضرائبَ جديدةً وأخرى مبتكرة وثالثة معدّلة هي الحل الأنسب لضمان مداخيل وعائدات مالية قارة على حزينة المملكة، تخرج من ظهر فقراء المغرب وكادحيه من الأجراء والمستخدمين وصغار التجار والصناع، لتكون في الأول والأخير لفائدة علّـية القوم ومن يدور في فلكهم، ممن يتهربون من الالتزام الضريبي بكل الأشكال، وهم محميون أشد حماية بانعدام أدنى قانون للضريبة على الثروة أو تجريم الإثراء غير المشروع، وذلك عبر التغييب العَمْدي لمشروع قانون “من أين لك هذا” (قانون 16ــ10 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي) وإقباره في “مُجمدة” البرلمان، قبل أكثر من خمس سنوات من الآن، بإرادة فاعل..
أما أثرياء الوطن والميسورون، وحتى من يتملصون من صفة الثراء الفاحش ويصنِّفون أنفسهم، أو يصَنَّفون، في طبقة وسطى؛ فلصالحهم تم إحداث هذه الضرائب، وإلا كيف نفهم، على سبيل المثال لا الحصر، المقترح الذي تضمنه مشروع قانون مالية 2022 والقاضي بحذف تصاعدية أسعار الجدول الحالي للضريبة على الشركات، أو كيف نفهم المقترح الذي تضمنه ذات المشروع، والقاضي أيضا بتخفيض السعر الهامشي لجدول الضريبة على المقاولات بالنسبة إلى بعض الشركات الصناعية.
قطعا، من يستحضر المبادئ التي يتأسس عليها حزب الحمامة “قائد” الحكومة الحالية والتي تعطي الأولوية لـ” الليبرالية ” قبل “المجتمعية والديمقراطية”، يُدرك معنى الأفضلية التي يفكر فيها هذا الحزب لصالح المنتمين إليه أو الدائرين في دائرته من العاطفين والمستفيدين من أعيان وأثرياء وأرباب شركات ومستثمرين في القطاعات المتنوعة وفي مختلف الثروات الطبيعية وحتى المعدنية. كما أن من يستحضر “مرجعيات” ومبادئ حزبي “البام” و”الاستقلال”، المشكلَيْن للحكومة رفقة الأحرار، يدرك أيضا معنى الأولوية المقدمة من “برج” الحكومة لصالح “مريديهما”، المتخندقين في صفوف الميسورين والأعيان والمستثمرين، على حساب الناخبين، بل على حساب المواطنين.
من المنطقي أن من يذكر أي زيادة في الضرائب يستخلص في عجالة، مدى تأثيرها السالب على المواد المضرّبة بارتفاع أسعارها للتو، دون أدنى احتساب لسلوك المضاربين والانتهازيين في الأسواق، ومن يَذكر الأسعار في عهد حكومة أخنوش التي لم يَمُرْ على عمرها 20 يوما، يَذكر أسعارَ زيوت المائدة التي ارتفعت ارتفاعا صاروخيا غداة انتخابات الثامن من شتنبر2021 الاستثنائية، ويتوقع ارتفاعا مؤكدا في باقي المواد. يَذكر أيضا أسعار المحروقات التي ارتفعت في هذه المدة القصيرة من زمن حكومة “إمبراطور المحروقات”، الذي يسجل تاريخُ الاستثمار الوطني صولاتِه وجولاته في سُلّم الثراء أثناء سقوط السعر الدولي للبرميل إلى أقل من 40 دولارًا دون انخفاضه في المغرب لسنوات، أو أثناء تخصيص حكومة بنكيران لأكثر من خمسين مليار درهم للتنمية القروية. من يتذكر هذا النزر القليل، ينتظر “الأفظع”، مادام أخنوش نفسه “واعد” المواطنين في خطاب انتخابي صريح بالقول “سترون التغيير في وقت وجيز”، وها نحن نرى التغيير في أقل من 20 يوما.
يمكن للمواطن في سرعة بديهة أن يفهم تأثير الزيادة في أسعار المحروقات على أسعار الباقي من المواد الاستهلاكية، خصوصا الغذائية منها، بدعوى ارتفاع فاتورة النقل الوطني بين المدن، لكنه (المواطن) لا يمكن فَهْمَ “سلطة” الفواتير، التي صعدت بأسعار الدواجن صعودا صاروخيا، في زمن، مازلنا نتشدق فيه، بإيجابية السلاسل الإنتاجية للحوم البيضاء والحمراء، ارتباطا بمخطط المغرب الأخضر، الذي ظل عزيز أخنوش المسؤول الأول عنه لسنوات، وهو المخطط الذي كان من المفروض فيه، على الأقل، حماية المنتوج الوطني الفلاحي من اختلال النقص أمام الطلب، خصوصا ما تَعلَّق بالخضر والفواكه واللحوم.
أحاول أن أكون إيجابيا في توقعاتي بصدد الحكومة الحالية، لكني كلما تذكرت إنجازاتها “العجائبية” في زمنها القياسي، من قبيل “أَسرع تعديل حكومي” في تاريخ المغرب المستقل، وهو التعديل المتعلق بنبيلة ارميلي وأيت طالب، تضرعتُ إلى الخالق باللطف في المقبل من الأيام، خوفا من تحوُّل وعْد أخنوش إلى الناخبين من “تستاهل أحسن” إلى “تستاهل أكثر.. من العقوبات”..
حكومة الضرائب والأسعار
