قيل قديما “من كثُر كلامه كثُر سقطه”، وما أكثر السقطات التي يقع فيها عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يحاول التراجع عن تصريحه برفض الوزارة عبر دفع قيادات حزبية للضغط في اتجاه توليه حقيبة وزارية، وبعد سقطة “الحداثة”، التي علقنا عليها ب”حداثة الخبز” جاءت سقطة “الحكومة لن تعطي الصدقات وستسفيد من خبرة أخنوش في إدارة الأعمال”.
الحكومة ليست شركة حتى تستفيد من خبرة أخنوش، المستقيل شكليا من إدارة أعماله، ولكن تحتاج سياسات واضحة وتوجهات تدبيرية، ولم يصوت الناس على التجمع الوطني للأحرار لأنه يترأس “الرئيس المدير العام” للمجموعة الفلانية ولكن لأنهم أرادوا معاقبة الحزب الإسلامي، الذي صوتوا عليه كي يكون ضامنة أخلاقية، لكنه لم يف بوعوده، وفي مرتبة ثانية صوتوا عليه لأنه أطلق مجموعة من الوعود الاجتماعية.
من بين الوعود التي أطلقها رفع أجور رجال التعليم ب2500 درهم، وتخصيص مبلغ ألف درهم لكل مواطن بلغ الستين ولا يتوفر على معاش رسمي، فهل سيعتبر وهبي هذا المبلغ صدقة؟ هل يعتبر تخصيص مبالغ صندوق التكافل لمن لا معيل لها ولها أبناء صدقة؟
ما يجهله عبد اللطيف وهبي هو أنه إذا أصبح وزيرا، وهو راغب في ذلك لولا سقطته في القناة الثانية وإعلانه عدم الاستوزار، فإن المواطنين هم من سيؤدي أجره وتعويضاته، كما سيؤدون أجور وتعويضات وزراء حزبه، وسيؤدون أجور وتعويضات أجور التحالف الحكومي، ولا تصرف الحكومة درهما إلا وهو من المال العام، وبالتالي المواطنون الذي يمولون الخزينة العامة لا يريدون حكومة تتصدق عليهم، ولكن يؤدون كل ذلك من أجل حكومة قادرة على تدبير الشأن العام.
ما يحصل عليه المواطنون، الذين ليس لهم شغل ولا يستطيعون إليه سبيلا، ليس صدقة، وإنما إعادة توزيع للثروة بين المغاربة، ولا نعتقد أن التجربة البسيطة في اليسار لوهبي ستمكنه من فهم معنى توزيع الثروة، ولم يتعلم من تحالفه مع الإسلاميين معنى “الزكاة” كما لم يفهموها هم أيضا، والتوزيع العادل للثروة له أوجه عديدة أهمها، توزيع المشاريع على الجهات وإحداث الصناديق التي تدعم الفئات التي لها حاجة إلى الدعم.
فدعم المقاولات ليس صدقة للمقاولات وإنما توزيع للثروة، حتى يتم الاستمرار في إنتاجها، ودعم الذين فقدوا شغلهم ليس صدقة ولكنه واجب الحكومة. فالحكومة تجمع من خلال وزارة المالية ومديرية الميزانية وعبر أداة الضرائب الأموال من المواطنين، لتعيد تصريفها في أوجهها الحقيقية، ولهذا يتم تخصيص رواتب للوزراء نظير عملهم في إعادة توزيع المال وترتيب الأولويات، وليس لدى الحكومة ما تعطيه للمغاربة، سوى أن تتوفر على برنامج تحفظ من خلاله الأموال التي هي عائدة للمغاربة وليس للحكومة التي لا تملك شيئا.
ومنطق الشركة لن يفيد في تدبير الحكومة لأنها إدارة مختلفة، وإذا كان وهبي قادم إلى الحكومة بهذا المنطق فإنه مخطيء.
حكومة المشاريع وحكومة الصدقات
