أقدمت الحكومة على سحب عدد من مشاريع القوانين، التي كانت موضوعة لدى البرلمان بغرفتيه، وتتعلق بمجالات عديدة، ومنها مشروع القانون الجنائي بما يتضمنه من تجريم للإثراء غير المشروع ومشروع قانون يتعلق باحتلال الملك العمومي ومشاريع قوانين أخرى، متسلحة بما يمنحها القانون إياه، حيث يحق للحكومة أن تسحب قانونا موضوعا لدى البرلمان، لكن الخطورة في الأمر هو أن يتم السحب لمجرد مزاج حكومي وليس وفق تعليل قانوني كما يجب.
تم سحب مجموعة من مشاريع القوانين فقط لأن حكومة كانت يقودها حزب العدالة والتنمية هي التي وضعتها، رغم أن رئيس الحكومة الحالي كان مشاركا فيها وبحصة الأسد من الوزارات المهمة. إذن القضية تتعلق بمزاج، ولا يمكن بتاتا تدبير الشأن العام بأمزجة أحزاب أو وزراء أو رجال أعمال يعتقدون أن المواطن يساوي “ثمنا” معينا، وقبل أن تقدم الحكومة على هذا الفعل كان عليها أن تقوم بتعليل ذلك.
يتم سحب القانون من البرلمان لاعتبارات متعددة، أحيانا يكون البرلمان بصدد مناقشة مقترح قانون تقدم به فريق برلماني يتعلق بموضوع ما، فإذا ما وضعت الحكومة مشروعا مشابها له يتم إلغاء الأول بقوة القانون، أو تسحب الحكومة مشروعا لأنه تظهر عليه علامات عدم الاكتمال وينبغي تجويده، لكن فيما يتعلق بالقوانين المسحوبة حاليا، فقد تم إنجازها على مهل ومرت عبر الأمانة للحكومة، وما ظهر أنه ينبغي إضافته ليس في الجوهر مما كان يفرض إدخال هذه الأمور عبر التعديلات وليس سحب مشروع قانون بطريقة غامضة دون أي بصيص من أمل عودته في القريب العاجل.
كتبنا قبل مدة عن هذه الحكومة، وقلنا إن أغلب الوزارات والسياسية كلها، لا تتوفر على استراتيجية للاشتغال، وأن الأمور يتم تدبيرها بطريقة المياومين، بينما الوزارة تعني تحديد استراتيجية للعمل من خمس سنوات يتم توزيعها عبر مراحل، واليوم نكتشف ما هو أخطر من ذلك، وهو أن الوزارات لا تتوفر بتاتا على مخطط تشريعي، ففي الحكومة السابقة، التي يلعنونها صباح مساء كانت الوزارات تهيء المخطط التشريعي الشهري، بمعنى كانت الأمور واضحة أمام “ستاف” الوزير والوزارة، أما اليوم فتم الاستغناء عن أجود الأطر في انتظار الذي يأتي ولا يأتي.
المخطط التشريعي لكل وزارة هو المحفظة التي تكون موضوعة أمام الوزير وأمام المسؤولين بالوزارة، حول كل القوانين التي ينبغي إنجازها صغيرة أو كبيرة، لأن البلاد لا يمكن أن تتحرك دون قوانين، فأحيانا تُطرح قضية بسيطة لكن لا يستطيع أحدا أن يقوم بالحسم فيها لأنه لا يوجد قانون يسمح له بذلك، ولهذا الأمور التي تحتاج إلى تشريعات قانونية لا تنتهي، فهناك قوانين تكوينية يتم إنجازها لأول مرة تجيب عن مستجدات وهناك قوانين تعديلية وقوانين أخرى يتم تجويدها وأخرى تتم ملاءمتها، وهذه ينبغي أن تكون معروفة لدى الوزير، وهذا غير متوفر الآن.
نحن الآن أمام كارثة كبيرة، حكومة تجهل القوانين وتقوم بممارسات غير قانونية ولا تتوفر على مخطط تشريعي بمعنى كل شيء يخضع للصدفة والدولة لا يمكن أن تمشي بهذه الطريقة العشوائية.
حكومة بدون مخطط تشريعي
