Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

حوار مع أحد المخدوعين بالتّاريخ المزيَّف في [إسبانيا]

محمد فارس

حدث يوم الجمعة 13 نونبر الجاري أن خرجتُ لطلبِ وثيقة من الإدارة الوطنية، ولـمّا فرغْت، جلستُ في أحد المقاهي شِبه الفارغة من الزّبائن، وتصادَف أن كان جالسًا على مَقرُبة شخصٌ تبيّن في ما بعد أنه إسباني، ولم أعدْ أتذكّر كيف بدأ الحوارُ بيْننا حتى تطرقْنا لممرّ [الگرگرات] وفِرار المرتزقة أمام جدّية وصرامة الجيش الملكي.. كان الإسباني يتحدّث لغةً فرنسية يَغلُب عليها النّطقُ الإسباني الانفِجاري عندما يَنطِق الأحرف [بِي لاَبْيال] كما يُقال في [ألْفُونيتيك] مثْل حَرفَي [P] أو [B]، فقلتُ إنّ ما قام به المرتزقة في معْبرِ حيويٍ، يُعتبَر في العلوم العسكرية [un acte de guerre] ومن حقّ الجيش المغربي التّدخّل كما يحدُث عادةً في مثْل هذه الحالات عبْر التاريخ؛ فهذه أرضُ المغاربة، حرَّروها بواسطة (مسيرة خضراء) مُظفّرة، ودون رصاصٍ أو إراقة دماء، ولم تُواجِهها [إسبانيا]، ولم تقفْ في طريقها لِعِلم [إسبانيا] أنّ هذه صحراء مغربية، لم يكُن أحدٌ يطالب بها لا [الجزائر]، ولا [مُرتَزقتها]، ولم يكُنْ أحدٌ يتوقّع نجاحَ هذه [المسيرة] التي دخَلت الموسوعات كأبرز المسيرات التّحرُّرية في التّاريخ.. صحيح، يتحدّثون عن [La langue marche] التي تزعّمها [ماوْ] في [الصّين]، لكنْ تلكَ كانت فرارًا من جيش [تشين كايْ تشيك] الوطني، ولكنّ [المسيرة الخضراء] كانت تحرُّرية، وتصفية للاستعمار، فلم تكُنْ فرارًا، ولا تحسّبًا لأيِّ عدوان كما كان شأنُ مسيرة [ماوْتسي تونج] التي كانت تهدف لاستيلاء الشّيوعية الفلاحية على السّلطة، ولم تتحدّثِ [الجزائر] ولم يَظهرْ مرتزقة [البوليساريو] إلاّ بعدما حرّر [المغربُ] صحراءه بالكامل، فصارت [الجزائر] تلعَب دوْرَ [سايْس ــ بيكو] لخلقِ كيان في الصّحراء المغربية الـمُحررة، وابتدَعتِ [الجمهورية الصّحراوية] الوهمية، وجعَلتْ من مرتزقتها جبهةَ تحرير، وطلبتْ بتقرير المصير في أرضٍ مغربية محرَّرة؛ فلماذا لم تسمحِ [الجزائر] بتقرير المصير في (الأوراس) أو (كابِيلي)؟ لماذا لم تسمَح [إسبانيا] بانفصال [الباسك] أو [كتالونيا] عن السّيادة الإسبانية؟ أجِبْني من فضلِك!
قال محدّثي الإسباني، إنّه كانت هناك أخطاءٌ، وضُعْف في الدّولة الإسبانية وقْتَها، وكانت [إسبانيا] ضعيفة اقتصاديًا، وعسكريًا ومتفرقة حزبيًا واجتماعيًا.. قلت: هذا صحيح، ولكنْ مَن كان وراء الضّعف والتّفرقة؟ قال: وكيفَ تفسّرُ أنتَ ذلك؟ قلت: لن أُفسِّر ذلك، بل أتركُ هذا التّفسير للتّاريخ.. يقول التاريخُ إنّه من المهمّ أن نتعرّف على خيوط المؤامرة السّياسية في [إسبانيا] لنكوّنَ صورةً واضحةً عن أسلوب العمل (الثّوري)، وهو يتألّف من ثلاث مراحلَ نذْكُر منها مثلاً: (1 تغلغُل أفراد الحزب الشيوعي في المناصب الحكومية، وفي مراكز الخدمات العامة، وفي القوات المسلّحة، والتّنظيمات العُمّالية.. (2 ربْطَ الحزب الشّيوعي أو الحزب اليساري بالثّورة بغية الإطاحة بالحكومة، سواء أكانت مَلَكية أو جمهورية.. (3 القيامَ بنشاطات تخريبية بهدف اختلاق الفوضى ممّا يمهِّد الطريقَ لقيام ديكتاتورية البروليتاريا، لتظهَر بعدَها الدّيكتاتورية التّوتَاليتارية، وهذا ما حدثَ بالفعل في [روسيا] عام (1917)، وهو ما أُريدَ له أن يحدُثَ في [إسبانيا] البلد الذي كان هدفَ [لنين] ثمّ [ستالين] مِن بعدِه.. كانت أول نتيجة للُحكم الدّيكتاتوري الذي تزعّمه [دي رِيفيرَا] أنْ أَنهى الحرب مع [المغرب] نهايةً ناجحةً، ولعِلْمِك، فإنّ استعمار [فرنسا] لبلدٍ اسمُه [المغرب] كان بتزكية من ملك [إسبانيا] اسمُه [ألفونس. 13] وهو جدّ الملك [خوان كارلوس].. صاحَ الـمُحاوِرُ الإسباني معترضًا: ما هذا الكلام؟ لم يَقُلْ أحدٌ أبدًا بهذا! هذا هُراء (أَميغُو)!
من حقّكَ [أَميغُو] أن تَندهِش لسماعِكَ حقائق صادمة، فأنا لستُ القائل بذلك، ولكنْ اِرجِعْ لمذكّرات الجنيرال [مولاَ]! كانت محافل الشّرق الأكبر في [إسبانيا] قد نظّمتْ اتّحادًا خاصّا سمّتْه (الاتّحاد العسْكري الأُخوي)، وكان يهدف إلى الإطاحة بالنّظام الملكي، وقدِ استطاعَ أن يَحصل على وعْد (21) من أصل (23) جنيرالاً إسبانيا، بأن يساعدوه على إقامة الحُكم الجمهوري، وكان [فرانكو] أحد الجنيراليْن اللّذيْن لم ينضمّا إلى (الاتّحاد العسكري الأُخوي)؛ ويؤكّد جنيرالٌ آخر وهو الجنيرال [لوبّيز]، وقد وَعَد [ستالين] بمبلغ (200) ألف دولار كإسهام في تمويل التّدريب، ويقول الجنيرال [مولاَ] في مذكّراته، إنّه وصَل [إسبانيا] عام (1938) قادمًا من [روسيا] مِئَتَا قائد (ثوري) كانوا قد تدرّبوا في مؤسّسة [لينين] في (موسْكو)؛ ومعلوم أنّه منذ عام (1930) كانت قد بدأتْ حَمْلة التّشهير ضدّ ملكِ [إسبانيا]، ومن بين الأكاذيب السّخيفة، الزّعمُ بأنّ الملِك كان يَسفكُ دمَ جنديٍ إسباني كلّ يوم، واتُّهِم الملكُ بالفجور، تمامًا كما اتُّهِمتْ إمبراطورة [روسيا] زورًا بأنّها كانت عشيقة [راسْبوتين].. لقد كشَف [كاباليرو] عن حقيقته عندما أعلن بصراحة عام (1935) أنّه تمكّنَ من إنشاء عشرات الآلاف من الخلايا الشّيوعية في كافّة أنحاء [إسبانيا]..
كانت الخُطْوة التّالية بعْد الإطاحة بالملكية، هي مهاجمة الدّين الذي يؤمنُ به الشّعب، فأدخلوا العَلمانية إلى المدارس، وقاموا بحملة واسعة ضدّ السّلطة الأبَوية، والسّلطة الكنَسِية، وخلقُوا الآلاف من اللاّدينيين، ومنَ البلاشفة الـمُعادين للقيم الاجتماعية.. ثمّ جاء الدّورُ التالي من المخطّط وهو خلْقُ جوّ من الفوضى والشّغب، فبدأ النّشاطُ الفَوْضوي في [كتالونيا]، وبعْدها بدأتْ فوضى [أسْتُورْيا]، عندئذ حاول [فرانكو] إعادةَ النّظام إلى الجيش الإسباني، وأن يضَع حدّا للفوضى، وهنا يُمكننا أن نشير إلى التّنظيم السّري المحْكَم للحزب الشّيوعي، وكان [فرانكو] بمثابة مُخلّص، وإن نُظِر إليه كَديكْتاتورٍ فاشيٍ، ولكنّه كان مُنقذًا..

Exit mobile version