Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

حين تصبح التعددية أداة لحجب الدولة عن المساءلة

مصطفى المنوزي
نقد اختزالي للسردية الحزبية في المغرب (*١)

رغم أن المشهد الحزبي في المغرب يُقدَّم كعلامة على الانفتاح والتعدد، فإن التعددية التي يزخر بها ليست سوى واجهة شكلية، تُخفي غيابًا عميقًا للتعددية السياسية والفكرية. ذلك أن ما نعاينه في كل استحقاق انتخابي أو لحظة فرز سياسي، لا يتعدى كونه صراعًا عرضانيًا، مكرورًا، ومفرغًا من المضمون، غايته التنافس على من يُحسن “تصليح” أعطاب الشأن العمومي، لا مساءلة جذورها أو تفكيك بناها المنتجة.
في هذا السياق، تُختزل السياسة في ثنائيات مشروخة من قبيل “النهضة أم النداء؟” أو “الأزرق أم الأخضر؟” على وزن ” ودادي ولا رجاوي ” إنكارا للراك والطاس ؛ أوإيقاع ” أهلاوي ولا زملكاوي ” نفيا لفريق المهندسين الرياضي ونادي حرس الحدود ، أو نادي الجزيرة ، في تكرار لسؤال سقيم: من الأقل سوءًا؟ ليظل الجواب الأكثر تداولًا: “مُرّهما أمَرّ”. هكذا تُمارس السياسة كمجرد تدبير تقني لواقع مفروض، لا كفن لإنتاج المعنى أو كمساحة لتحرير الإرادة الجمعية. ويُدفع الناخبون، باسم الواقعية، إلى الاختيار داخل هامش محدود، وكأنهم أمام آلية اقتراع إجبارية، لا فعلًا ديمقراطيًا حرًا.
هذا الاختزال ليس بريئًا. فهو، في جوهره، يفرغ التعددية من قوتها التحويلية، ويُعيد إنتاج نفس المنظومة تحت مسميات مختلفة. وفي خلفيته تترسخ سردية خفية تجعل من الدولة كيانًا فوق الشبهات، منزّهًا عن النقد البنيوي. فبينما يُلقى الفشل دومًا على عاتق الأحزاب والحكومات المتعاقبة، تبقى البنيات العميقة والاختيارات الكبرى بمنأى عن أي مساءلة سياسية أو مجتمعية جادة.
لكن المغرب، بكل مجاله الطبيعي والبشري، أبعد من أن يُختزل في ريف وصحراء، أو في نخب انتخابوية تتنازع على تمثيل ما لا تمثله. إنه أرضٌ من الأطلس الصغير إلى المتوسط، ومن الهضاب إلى الأودية، مليءٌ بالتنوع والتعدد، وهذا ما يجب أن تنعكس ترجمته في السياسة، لا فقط في الجغرافيا.
إن ما نحتاجه اليوم ، ليس فقط تعددية حزبية، بل تعددية نوعية ، فكرية وسياسية تفتح المجال لمساءلة جذور الاستبداد الإداري، وتفكيك بنية الريع والولاء،وتأسيس تصور جديد للمواطنة باعتبارها فعلًا تشاركيًا نقديًا لا مجرد رقم في صندوق اقتراع.
لقد آن الأوان لتجاوز السردية المبتذلة التي تُحول السياسة إلى منافسة على من ” يصبن أحسن أوساخ التجربة ” و يُجمل الأعطاب، في حين تبقى الدولة فوق النقد، محصنة بسردية “الاستقرار” و”الاستثناء”. فالشعوب لا تتقدم إلا حين تمتلك شجاعة مساءلة المسلمات، وتحرير التعددية من قيدها الكمي و الوظيفي، واستعادة السياسة كفعل إرادة، لا كترميم أعطاب.

(١* ) ملحوظة لا علاقة لها بما سبق، اللهم من باب التخييل !
– من سخرية لفظية إلى سخرية تراجيدية :
في سياق تنوع وتعددية وإرتقاء السخرية كأسلوب بلاغي، نحيل و نستحضر واقعة المستشارة الشابة بجماعة أكادير، التي وجهت نقدًا راقيًا ومحترمًا لرئيس الجماعة الحضرية. غير أنه، مرتديًا قبعة رئيس الحكومة، ردّ باحتقار ضمني قائلاً إنه “لن يجيب إلا بحضور الكبار هناك في العاصمة”، في إشارة إلى تهميشها والتقليل من شأنها. غير أن المفارقة الساخرة تبلغ ذروتها حين يعين، في الموسم ذاته، ومن سوس أيضا ، شابًا أصغر منها سنًا وزيرًا، وكأن الزمن السياسي يردّ عليه بأفعاله. ومنذئذ، وذاك الرئيس ذاته، صار يجد نفسه في حوارات مع رئيس حكومة أسبق بلغة “ابن المقفع”، بما يحول “حوار الكبار” إلى مأساة بلاغية.
لقد ارتقى المشهد من سخرية لفظية، حيث يُقال الشيء ويُراد عكسه، إلى سخرية تراجيدية، حيث يعرف الجمهور حقيقة مصيرية يجهلها “البطل”، فتتجلى المفارقة كاملة.
وهنا تستعاد الحكمة الشعبية بعمقها: “العود اللي تحتقرو يعميك”، مع فارق دلالي: فالمستشارة الشابة لم تكن من “سلالة تفقأ العيون”، بل من ” جيل يفقه العقول ” و يُعيد ترتيب المعاني خارج لعبة التوريث والتحقير بدل التقدير و حسن التوقير .

Exit mobile version