Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

حِوار مع الفيلسوف “إميرسَن” حول الاستقلال الفكري

محمد فارس
لقد قُمنا بزيارة للفيلسوف الأمريكي الشّهير [إميرْسَن: 1803 ــ 1882]، وهو أوّل فيلسوف أمريكي الرُّوح، ألقى خطابًا أمام متخرِّجي جامعة [هارْفارد] بعنوان: [العالمُ الأمريكي]، فعُدَّ هذا الخطابُ فيما بعد [إعلانًا للاستقلال العقلي] في [الولايات المتّحدة الأمريكية]، فجاء مُكمِّلاً [لإعلان الاستقلال السّياسي] الذي سبقَه بستّين عامًا.. طرَقْنا بابَه، فقابلَنا ببشاشتِه المعهودة، وسعَةِ صَدْرِه، فأخبارناه أنّنا أتينا لنعْقدَ مقابلةً معه ونَطْرحَ عليه بعضَ الأسئلة المختلفة في الفكر والسّياسة، فأدْخلَنا بيتَه وقدّمَ لنا مشروبًا من قهوةٍ سوداءَ وشاي، وفي التَّوِّ بدأ الحديثُ التّالي كأسئلة وأجوبة أفاضَ فيها [إميرْسَن] بكلّ تواضُع..
* السّيد [إميرْسَن]، لقد جئْناكَ بعدما رفضَ مقابلتَنا زميلُكَ [ثُورُو]، إذ قال لنا: كلّكم كَذّابون، اغْربُوا عن وجهي، فلن أُقابلكم؛ ثم دَخل وصدَّ البابَ في وجهِنا، فلم يَبْقَ لنا في برنامجنا غيْر زيارتِك، وشُكْرًا لكَ مقدَّمًا سيّد [إميرْسَن]..
* جواب [إميرْسَن]: انفجَر ضاحكًا، وقال: لا تَقْلَقُوا من [ثُورو]، فتلكَ طبيعتُه، فقد زرتُه في سجنه، فرفضني، فهو ذو عصبيةٍ متطرّفةٍ بعض الشّيء، ولكنّه فيلسوفٌ كبير، ومعارض عنيد للحكومة؛ فمعْذرة! تفضَّلوا بأسئلتِكم..
* سؤال: سيّد [إميرْسَن]؛ هل تُسمّى فلسفتُكَ [الفلسفة المتعالية] كما يسمِّيها البعض، أم [فلسفة الفردانية] كما يراها البعضُ الآخر، فما هو رأيُكَ في التّسميتين إذن؟
* جواب: هكذا يسمّيها نقّادٌ في (أمريكا) وآخرون في (أوروبّا)، وأنا لا أعارضهم، لكنّ التّسمية التي تروقني كثيرًا هي [فلسفة التحرُّر الفكري]، وهي الأقرب إلى الصّدق..
* سؤال: لماذا تفضِّل هذه التّسمية على غيْرها من التّسميات الأخرى، فهل مِن سبب؟
* [إميرْسَن]: إنّ الاستقلال الفكري، لا يجب أن ينفصلَ عن الاستقلال السّياسي، لأنّ البلاد المستقلّة حقّا وصدقًا، لا ينبغي لها أن تعيشَ دائمًا على البقايا الذّابلة من المحصول الأجنبي أو تبقى سجينة مخلّفات الاستعمار، بل يجب على كلّ شعب أو أمّة استقلّتْ سياسيًا، أن تفكِّرَ بنفسها وتكتب كتُبَها، فالمجتمع الذّليلُ يظلُّ سجين أفكار غيْره، لأنّه تتلمَذَ طويلاً على فكْرِ بلادٍ أخرى؛ لقد ظلّ المجتمعُ الأمريكي يعتقد أنّ من واجبِه أن يَقْبل الآراء التي أدلى بها [لوك]، و[بيكون] وغيْرهُما، وهؤلاء كانوا شبابًا في المكتبات مثْلنا عندما ألَّفوا هذه الكتب، ومن ثمّة للأسف الشّديد، صار لدينا قرّاء الكتب بدلاً من أن يكون لدينا [الإنسانُ المفكّر]؛ فالكتبُ هي خير الأشياء إذا أُحسِن استعمالُها، أمّا إذا أُسيءَ، فهي من شرِّ الأمور لا شكّ في ذلك..
* سؤال: فما هو الاستعمالُ الصّحيح لها يا سيِّد [إميرْسَن]؟
* جواب: [إميرْسَن]: ليس لِلْكتُب غَرض سوى الإيحاء، وأنّه لخيْر لي ألاّ أرى كتابًا من أن يضلِّلني الكتابُ بجاذبيته عن مجالي ضلالاً مبينًا، أو أن أُصبح تابعًا من أن أكونَ صاحبَ رأيٍ مستقلّ، إنّكَ بهذا السُّلوك تتطلّعُ إلى الوراء لا إلى الأمام، والعبقرية الحقّة تنظُر إلى الأمام، فالإنسانُ عيناه في مقدِّمة رأسِه لا في مؤخّرتِه.. هل تعتقد أنّ أمّةً تقلّد غيْرها هي في الحقيقة حرّة ومستقلّة؟ الجواب: كلاّ! فهي مجرد مجموعة من رُعاع، لا يقيمون لإنسانيتهم وزنًا، ولم يتعلّموا بعْدُ كيف يلزمون ديارهم ليتّصلوا بمحيطهم الدّاخلي، بل يرحلون إلى الخارج، يَطلبون كأسًا من الماء من أوعية الآخرين؛ كيف يكون مستقبل من يبني بيتَه، ويضع قوانين بلدِه، ويرسم سياسةَ دولتِه بذوق أجنبي، فهل هذا هو ما يدْعونه الاستقلال، وهم يعيشون على ذابِل المحصول الاستعماري البائد، فيما الاستقلال الفكري هو الاستقلالُ الحقيقي الذي يؤدّي حتمًا إلى الاستقلال المادّي، والاقتصادي، والسّياسي؛ فأيُّ استقلال هذا إذا ما ظلّتْ [أمريكا] خاضعة لبقايا الاستعمار البريطاني، ورفوفُ المكتبات، ورفوفُ المنتوجات، وتوجُّهات السّياسة كلّها تعجُّ بالمنتوجات الأجنبية؟ فهذا استقلال وهمي، لا استقلال حقيقي..
* سؤال: إذن، لهذه الأسباب، تروقكَ تسميةُ فلسفتكَ [فلسفة التّحرر الفكري] أليس كذلك؟
* جواب: هي كذلك، فبدون التحرّر الفكري الشامل، لن يكون هناك استقلال سياسي، واقتصادي، وثقافي، فأيُّ استقلال وأنتَ تستهلك منتوجًا أجنبيًا، وتطبِّق قانونًا تركه الاستعمار، وتنهج سياسةً اعتمدها المستعمرُ للسّيطرة عليك لتبقى دومًا تابعًا له فكريًا، وسياسيًا، واقتصاديًا؛ وهنا تحضرني فكرةٌ للحكيم الصّيني [سون زُو]، عندما قال إنّ التحرّرَ من هيمنة الأجنبي المستعمر، تكمُن في السُّخرية من أفكاره، وترْك تقاليدِه، والامتناع عن استهلاك منتوجاتِه، ومن ذلك يَحصُل الاستقلالُ الفكري، والمادي، والفنّي؛ هذا هو الاستقلال الذي دعوتُ الأُمةَ إليه..

Exit mobile version