كانت الحكومة تتحدث عن المخزون الاستراتيجي من المواد الأساسية، الذي يخضع دائما للمعايير المعمول بها، وفي أجوبة الوزراء يتكلمون دائما عن أن المخزون الاستراتيجي في مستوى غير مقلق. وكنا أحيانا نصدق القصة لأننا نعتقد مع الجميع “أن أفعال العقلاء منزهة عن العبث”، غير أن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد الصديقي، فاجأنا وهو يتحدث في البرلمان عن أن الحكومة تعمل على وضع تصور لمنظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية.
يعني أن كل الحديث السابق عن المخزون الاستراتيجي كان مجرد خديعة مارستها الحكومة في حق المواطنين، الذين كانوا يعتقدون حقيقة أن المخزون الاستراتيجي من المواد الأساسية متوفر ويخضع للمعايير المعمول بها ولو في حدها الأدنى، لكن تبين أن الحكومة لم تكن تتوفر على مخزون استراتيجي وإنما تفكر فيه وتعمل على إيجاده.
دعنا من هذه الخديعة ولنتحدث عن المخزون الاستراتيجي، وعن معانيه وما هو مفهومه، وهل فعلا توفر الحكومة مخزونا استراتيجيا أم أنها تتعامل مع المواطنين بعقلية “السوق الكبير”، الذي تتوفر فيه كافة المواد، التي يحتاجها المتسوقون، لكن أسعارها تخضع للعرض والطلب، بمعنى أن الحكومة تتعامل مع المواطن كزبون لديها وهي التاجر الكبير.
ما معنى أن المغرب يتوفر على مخزون استراتيجي من مادة من المواد، ومع أي ارتفاع للأسعار في العالم تصبح المادة مرتفعة الثمن، فهل يعقل أن لا يستمر الثمن نفسه والسعر ذاته حتى ينفذ المخزون؟ لكن الحكومة تتعامل مع المواطنين بعقلية الزبون والتاجر، نعم هي توفر المخزون الاستراتيجي من بعض السلع وليس كلها طبعا، ولكن لا تستنفد المخزون الاستراتيجي.
هناك لعبة قذرة تمارس على المغاربة، فعندما يترفع سعر مادة استهلاكية معينة يتم فورا رفع السعر، ولما تنخفض تبقى على السعر المرتفع بدعوى أن هناك مخزونا بالأسعار القديمة.
عندما كان فعلا المغرب يتوفر على مخزون استراتيجي رغم الندرة كان هناك اكتفاء في القمح والشعير والشاي والسكر والزيت، أما اليوم فقد تفقد الحليب في رمشة عين رغم 15 سنة من المغرب الأخضر ودعم الكسّابة.
لا معنى للمخزون الاستراتيجي إن لم يكن له هدفان مترادفان لا ينفصلان أبدا: الأول هو تأمين الكمية الكافية من السلعة المعنية بالأمر لمدة كافية لجلب نظير لها، ووفق المعايير المحددة دوليا، والتي يتم حسابها بعدد الأشهر، والثاني هو ضمان استمرار بيعها بالسعر المناسب، لأن ما يرفع الثمن هو الندرة، وإذا توفر المخزون الاستراتيجي فما الداعي لارتفاع الأسعار؟
إذن الحكومة عرّضت المواطن للخديعة مرتين، الأولى عندما زعمت في وقت سابق أن كل المواد الأساسية تخضع لمنطق “المخزون الاستراتيجي”، والثانية عندما وفرت بعض السلع لكن بمنطق السوق والتعامل مع المواطن كزبون لدى التاجر، الذي هو الحكومة نفسها وما أدراك ما الحكومة عندما أضحت حكومة “تجمع المصالح الكبرى”.
“خديعة” المخزون الاستراتيجي
