Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

خُذ “قُفَّتَه” وتَجاهل دعوَتَه ويوم الاقتراع مَزِّق ورقتَه!

محمد فارس
للكاتب الأمريكي الشهير [ديل كارنيجي: 1888 ــ 1955] كتبٌ ذاعَ صيتُها من أهمِّها: [كيف تَكسِب الأصدقاء وتؤثّر على الناس]، ومن قرأ هذا الكتاب لرأى أن أحسنَ عنوان يليق بمحتواه هو: [كيف تكسب الأتباع وتستحوذ على النّاس]، لأن مضاميـنَ هذا الكتاب تنطبق تمامًا على أصحاب الجُود المفاجِئ والكرم الرّمضاني، حيث بدؤُوا يوزّعون [قُفَفَ] رمضان ليُضِلُّوا النّاسَ بالكرم الزّائف، والجود الـمُفْتعَل، فيما هذا الكرمُ الرّمضاني، هو كرمٌ انتخابي لكسب المصوّتين، وبهدف الاستحواذ على الناس، لأنّ كرمَ هؤلاء الكرماء لم يَعرف لهمُ الكرمُ يومًا عنوانًا أو وجودًا في دنيا الله؛ وللفيلسوف الفرنسي [مالبرانش] مذهبٌ يسمّى: مذهب [المناسبات]، وهذا الكرمُ إنّما هو كرمٌ مناسباتي؛ والمناسبة هي الانتخابات، لأنّ الكرمَ الحقيقي يكون لوجه الله خالصًا ولا يُرْجى من ورائه غيْر وجْه الله سبحانه وتعالى؛ فهم بكرمهِم يريدون شراء الذّمم، وقتْل الهِمَم، ومحْو القِيم لأهداف دنيوية، ولمصالح شخصية، ولأغراض سياسية صِرفة.. وللّذين يتردّدون في قَبُول هذه [القُفَف] وهم قلّة، نقول لهم: خُذْ [قفَّته]، وتَجاهل دَعْوتَه، ومزِّقْ ورَقتَه، فتلكَ [القُفّة] رزقٌ ساقه الله إليك، وهي من أموال الأمّة التي يتخوّضون فيها دون حسيب أو رقيب، وذاك مالُ الله عزّ وجلّ، وقد صيَّروه مالاً سياسيًا، ويحسبوننا نحن الشعبَ، قطيعًا يتزايدون في شرائه في [کورنة] سَمّوها [الجود]، وما هو بجُود، إنْ هو إلا خداع وجحود..
لكنْ دعْنا نعرف من هو [الكريم] حقّا وصدقًا؟ الكريمُ هو الجوادُ الكثير النّفع، وقيل: هو الذي اجتمعت فيه معظم الفضائل كالعِفّة، والإيثار، والنّبل، ونكران الذات، والجودُ بالنّفس في سبيل مبدإ أو فكرة؛ وقيل أيضًا: هو الذي يوصلُ النّفع بلا عَوَض؛ ونفعُ هؤلاء أصحاب [القُفَف] يريدون عَوَضًا، هو صوتُ النّاخب يوم الاقتراع، ومنه، فإنّ عملهم ليس بجُود، ولا هو بكرم، إذ يريدون عَوَضًا.. فالكرمُ، هو إفادة ما ينبغي لا لِغرض، فمن يهبُ المالَ لغرض جلبًا لمنفعة، فليس بكريم على الإطلاق؛ هكذا يقول [الجُرجاني] في [تعريفاته].. والكريمُ من كلّ شيء، أحسَنُه؛ ويراد به ما يرضي أو يُحمَد في بابه، يقال: رزقٌ كريم، أي كثير؛ وقول كريم، أي سهل ليِّن؛ ووجهٌ كريم، أي مُرْض في حُسْنه وجماله؛ وكتابٌ كريم، أي مُرْض في معانيه وجزالة ألفاظِه وفوائدِه؛ ونباتٌ كريم، أي مُرضٍ فيما يتعلّق به من المنافع.. والكريمُ من الأسماء الحسنى، والكريمان الحجّ والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ؛ وأبواه كريمان، أي مُؤْمنان.. فهل هؤلاء أصحاب [القُفَف] تنطبق عليهم ولو صفة واحدة ممّا يتّصف به الكرماء؟ الجواب: كلاّ! فكرمُهم الزّائف يفضحه ما وصلتْ إليه البلادُ بسبب سياساتِهم، وما يعانيه العبادُ من جشَعِهم وخداعهم..
قد يتساءل القارئ الكريم قائلاً: وهل هؤلاء أهلُ خداع وكذِب؟ الجواب: نعَم! والدليل هو أنّهم يُوعدون، ولا يُوفون؛ وكلّما ظفَروا، كفَروا بما وعَدُوا، وكذلك يفعلون اليوم: لكن ما هو الخداع؟ [الخداع]: يُقال خدعَه يعْني ختَلَه، وألحقَ به المكروه من حيث لا يعْلم، وكم من مكارِه لحِقَت بنا بسبب سياستِهم أفلا تَذْكرون؟ ويقال: خادعَه خداعًا مثل خَدعه، وهو أن يُظهِر الـمُخادعُ خلافَ ما يُخفيه، وأن يستعمل المكرَ والخديعةَ مثل [قفّة رمضان]، فينخدع لهم الأبْلَه والغبي الذي ينخدع بالمظاهر، ويرادفه الخطأ والضَّلال والوهم، وما أكْثَر المخدوعين، وما أكثَر البلهاء، وأكثرهُم عددًا الأغبياء.. فأهلُ الخِداع والضّلال يحسبوننا أسماكًا يريدون لها أن تسقطَ في سلّتهِم يوم الاقتراع، وهمُ الآن يُلْقُون بالطّعوم على شكْل [قُفَف]، وهذه (القُفَف) هي بمثابة الدّيدان.. يقول [ديل كَارْنيجي] في كتابه آنِف الذّكر: [أنا أحبُّ الفَراولة، ولكن عندما أريدُ اصطيادَ السّمك، فإنّني أستعمل الدّيدان، لا لأنّي أحبُّ الدّيدان، ولكن لأنّ هذا ما تريده السّمكةُ]؛ وعلى هذا الأساس، فأصحابُ [القُفَف الرّمضانية] ليسوا من أهْل الجود والكرم، ولكن، لأنّ هذه [القُفَف الدّيدان] هو ما تريده [السّمكةُ الـمُصوِّتة]..
فعلى المواطن الذي أتتْه [القُفّة] أن يكون أذكى من أصحابها الخدّاعين، والماكرين، وسماسرة أحزاب الذُّل والمهانة؛ فذاك مالُ أمّتِكَ تخوّضوا فيه، فاغتنوا وأثْروا، وبه تحكَّموا في مصائرك، ولان دخَلُوا به [کورنة] الانتخابات باسم [الجود]، والجُود منهم براء؛ كفاهم عبثًا بمصيرنا؛ كفاهم تحكّمًا في مقدّرات بلادنا؛كفاهم عبثًا بأصواتنا؛ فهم يعتبروننا مجرّد قُطعان تَحكمها الغرائز، ولا عَقْل لها ولا ذاكرة.. كفاهم استحْمارنا، وتَضبِيعنا بأموال هي لنا في الواقع، أفاءَ الله بها علينا، فصاروا يَشترون ذِمَمنا بها.. وللمواطن أقول ما قاله الفيلسوف [أرِسطو]: [إذا أردتَ الغِنى، فاطلُبْه بالقناعة، فإنّ من لم تكن له قناعةٌ، فليس المالُ مُغْنيه وإنْ كَثُر].. فهؤلاء أصحاب الجود المزعوم، عُمْيٌ وفقراء أصلا، فكيف يَقْدر الأعمى على أن يَبحر بسفينة الأمّة إلى شاطئ الخلاص؟ وكيف للفقير أن يُغْني، وقد أَغرق سفينةَ الوطن في بحر الدّيون، وفي لُجَح الفقر، وفي غياهب الجائحات؟!

Exit mobile version