Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

دراسة تفضح تلاعبات “لوبي المحروقات” لتحقيق الأرباح

كشفت دراسة حديثة، أن المرحلة الأولى من إصلاح صندوق المقاصة من خلال التحرير الكامل لأسعار المحروقات باءت بالفشل، بعد أن طفت على السطح معالم عيب أخلاقي قد يكون شاب السوق، والمتمثل في إمكانية تلاعب الشركات الموزعة بالأسعار لزيادة أرباحها.

وأشارت الدراسة المعهد المغربي لتحليل السياسات، التي أنجزتها الباحثة سلمي صدقي تحت عنوان “نظام المقاصة.. الإصلاح الذي لم يكتمل”، أن هذه النازلة عرفت مدا وجزرا بين نفي المعنيين ومحاولة الحكومة تسقيف الأسعار، وبين قرارات مجلس المنافسة التي افتقدت للمصداقية، هذا المد والجزر انتهي بإقالة رئيس مجلس المنافسة، بعد صدور تقرير اللجنة الخاصة المكلفة بالتحقيق في مصداقية قرارات المجلس، التقرير أكد وجود خروقات مسطرية ومناخ مداولات يدعو للإرتياب.
وأكدت، أن الحكومة المغربية قامت سنة 2015 بتحرير كامل لأسعار المحروقات كمرحلة أولى لإصلاح نظام المقاصة، وكان الهدف من هذه الخطوة تخفيف العبء على ميزانية الدولة بعد ارتفاع متواصل لنفقات المقاصة منذ الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، و كان الهدف أيضا هو المضي في اتجاه دعم أكثر إنصافا لجميع الشرائح الاجتماعية المحتاجة، غير أن الخطوة الأولى للإصلاح، وإن حققت هدفها بتخفيف العبء على المالية العامة، فإنها لم تتمكن من في تحقيق الإنصاف لأن الاستهداف شمل كبار الفاعلين في سوق المحروقات بدلا من المواطن.
وشددت الدراسة أنه بات ضروريا تنفيذ المرحلة الثانية من إصلاح صندوق المقاصة، مؤكدة في ذات الوقت أن نجاح هذا الإصلاح مرتبط بمدى التحضير المسبق له، للإبقاء على مكتسبات الطبقات الهشة والفقيرة، ولتحقيق العدالة الاجتماعية والفاعلية الاقتصادية.
وأوضحت أنه لا بد من الإسراع باعتماد السجل الاجتماعي الموحد، لتسهيل عملية الاستهداف وتجويدها، ولا بد أيضا من القطع مع المقاربة النقدية للفقر، لأنها مقاربة قاصرة ومتجاوزة، والإعتماد على مقاربة تسائل الفقر والهشاشة في أبعادهما المختلفة، الأمر الذي سيضمن فعالية تعويض نفقات المقاصة بالتحويلات المباشرة، وسيسهل التنزيل الأمثل لكل السياسات الاجتماعية، ويضمن مساهمتها في تأهيل الرأسمال البشري واستغلاله الأمثل في مسلسل التنمية.
وأفادت الدراسة، أن رفع الدعم على المحروقات شكل أول خطوة في إصلاح صندوق المقاصة، هذه الخطوة مكنت من تخفيف العبء على ميزانية الدولة حيث انخفضت نفقات المقاصة لتتراوح بين 13 و17 مليار درهم منذ 2016، بينما كانت تتأرجح بين 29 و56 مليار درهم ما بين 2009 و 2014، غير أن عملية رفع الدعم هاته شابتها العديد من المشاكل، حيث استغل المستوردون الكبار هذه الفرصة لرفع هامش الربح وضرب القدرة الشرائية للمواطن، في غياب تام لدور مجلس المنافسة.
وأبرزت الدراسة، أنه في سنة 2016 حقق الموزعون الكبار أرباحا بثلاث أضعاف ما كانوا يحققونه قبل تحرير سوق المحروقات، وكانت هذه الهوامش الضخمة من الربح تتيحها إمكانيات التخزين الكبيرة التي تمتلكها الشركات الكبرى، وتستغلها في تكوين احتياطاتها عندما تكون الأسعار في السوق العالمية مواتية لذلك.
ونبهت الدراسة، الى أنه أمام هذه الواقعة لا بد من طرح سؤال جوهري، هو “هل هي مصادفة أن يتم غلق المصفاة الوحيدة التي كان يمتلكها المغرب في سنة 2015؟ لاسامير كانت تمكن من معالجة 10 ملايين طن من البترول الخام سنويا وتمكن من إنتاج 2 مليون متر مكعب من البترول المعالج، خاصة أن وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لسنة 2019، قد نبهت المغرب الى كون إغلاق لاسامير خطأ وأن على المغرب الرفع من قدرته التخزينية،فهل الأمر كان فعلا خطأ؟.
وأشارت الباحثة، إلى أنه من أجل تبرير عدم مواصلة إصلاح الصندوق، تتعلل الحكومة بعدم توفر الدولة على قاعدة بيانات للفئات الاجتماعية التي تستحق الدعم، وقد بدأ المغرب في هذه العملية من خلال إطلاق السجل الإجتماعي الموحد، هذا السجل كان من المفروض أن يكون جاهزا مع نهاية سنة 2019، لكن يحتمل أن الحكومة لم ترغب في فعل ذلك مع قرب نهاية ولايتها، حتى لا تضطر إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاصلاح لما يمكن أن يحدثه من رجة اجتماعية غالبا ما تطبع بداية كل إصلاح قد لا تكون غاياته الايجابية بادية للعيان أول الأمر.
وأكدت الدراسة، أن ما يقع اليوم على إثر جائحة كورونا وفقدان العديد من الأسر لشغلهم، سواء في القطاع المهيكل أو غير المهيكل واتساع رقعة الهشاشة، بالإضافة إلى الاختلالات التي شابت عملية توزيع التحويلات النقدية؛ يجعل إخراج السجل الاجتماعي الموحد إلى الوجود أمرا ملحا، خصوصا أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا يمكن أن تستمر لفترة من الزمن ما يزيد من صعوبة تنفيذ إصلاح صندوق المقاصة في المدى القصير والمتوسط، لأن تعافي الاقتصاد يحتاج الى الوقت وهو رهين بمدى تطويق الجائحة وطنيا ودوليا.
وشددت الدراسة في المقترحات التي قدمت على ضرورة الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد إلى حيز الوجود عبر رصد دقيق للفئات الهشة والفقيرة، والتهيئ المسبق للمرحلة الثانية من الإصلاح، عبر حملة تواصلية ناجعة تشرح للمواطنين ماهية الإصلاح وأهميته للاقتصاد الوطني، وآثاره على الفئات الأكثر ضررا وكذا السياسات والبرامج التي ستعتمد لتطويق هذه الأضرار.
كما اقترحت أيضا إعداد محكم للآليات البديلة، عن الدعم العام لتعويض الفئات الهشة والفقيرة خلال الفترة الانتقالية قبل ادماجها في سياسة شاملة للتغطية الاجتماعية، وإعداد استراتيجية واضحة وآجال زمنية محددة للخروج من المرحلة الانتقالية المتمثلة في التحويلات النقدية المباشرة، وتجويد المرفق العمومي والخدمة العمومية خاصة في الصحة والتعليم، ليكون لتعميم الحماية الاجتماعية آثار ايجابية فيما يخص تأهيل الرأسمال البشري والحد من التوارث الجيلي للفقر والهشاشة.

Exit mobile version