محمد فارس
**
زارَ رئيسُ مجموعة البنك الدّولي [ديڤيد مالباس] [المغرب] يوم الخميس (24) مارس 2022، واستقبله رئيسُ الحكومة الملياردير [أخنوش] وأملى عليه رئيسُ البنك الدّولي عدّة شروط يجب على رئيس الحكومة تنفيذُها، لكنّ والي بنك المغرب السّيد [الجواهري] كان يَعْلم مُسْبقًا ما سيطلبه [مالباس] من [أخنوش]، فبادرَ إلى إعلان رَفْضِه التّام لتعويم الدّرهم؛ ومعلوم أنّ الاتّحاد العام للشغالين في [تونس] أعلن رفْضَه لتوصيات البنك الدولي، وستزور بعثةُ هذا البنك [لُبنان] الذي يتخبّط هو كذلك في ضائقة مالية واقتصادية خانقة، وهذا البنكُ الاستعماريُ يَستغلّ دائمًا ظروفَ الدّول النّامية لفَرضِ شروطه وإملاءاتِه الـمُجحِفة.. ونحن في [المغرب] نَعرف أنّه كلّما تشكّلتْ حكومةٌ جديدة، إلاّ وزارنا هذا البنكُ وأملى شروطَه على رئيس الحكومة؛ كان [بنكيران] يوزّعُ الوعودَ الورديةَ، ويخْبِرُ الشّعب المغربي بأنّ مفاجآت سارة قادمة، ولكنْ فجأةً وصلتْ [فرانسواز لاغارد] رئيسة البنك الدولي، وجالستْ [بنكيران]، وفي اليوم التّالي تغيَّر رئيسُ الحكومة، وتبدّلتْ لهجتُه، وغاب حماسُه، واختفتْ من خطابه وعودُه الوردية، لأنّ [فرانسواز لاغارد] الرّئيسة السّابقة للبنك كانت حاسمة وصارمة مع [بنكيران] الذي كان عليه اتّباعُ ما يُمليه البنك، ومن أبرزِ ما أملاه هذا البنكُ، هو خصْمُ الثّلث من تعويضات المتقاعدين، وارتفاع مبالغ القروض التي أثقلتْ كاهلَ البلاد..
هذه القروضُ في سياسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هدفُها هو استعبادٌ لكلّ أفراد الشعب، لأنّ تسديدَها لن يكونَ إلاّ بِفرض مزيد من الضّرائب يَدفعها المواطنون جميعًا مع غلاء الموادّ الاستهلاكية وارتفاع الأسعار، وتقليص فرص الشّغل، وفرض العُقدة قصيرة الأمد وبلا تقاعُد على من سيتمّ توظيفُهم وكأنّهم مجرّد مُرتزقة في وطنهم.. دعْنا أولاً نُذكّر القُراء الكرام بظروف نشأة هذا البنك الإمبريالي الذي يخدُم ويتعاملُ فقط مع الحكومات [البلُوتُوقْراطية]: كان المموِّلون الدّوليون قد أَنشؤُوا منذ الحرب العالمية الأولى ستّة وعشرين بنكًا مركزيًا، على غرار البنوك الاحتياطية الفيدرالية التي أُنشئَتْ عام (1913) بإشراف الـمِسْتَر [وارْبُورْغ] الذي جاء إلى [أمريكا] عام (1907)، ثمّ أصبح شريكًا في مؤسّسة [كوهن ــ لوب]، وشركائهم في [نيويورك].. لكن [وارْبورغ] كانت له نظرية جهنّمية وكيْف لا وهو الصّهيوني المفعَم بالأفكار الشّيطانية، كانت نظريتُه تقضي بإنشاء تنظيم مصْرفي مركزي ترجع إليه جميع السّلطات على هذه الأرض، من هنا رأى بعضُ الزّعماء الأذكياء نوايا وأهداف [وَارْبورغ]، وكانوا يُدْركون أنّه إذا استطاع [واربورغ] وأصحابُه إنشاءَ [البنك الدّولي]، فإنّهم سيتمكّنون من إنشاء بيروقراطية تتمكّن من التّدخل في جميع القضايا العالمية؛ وانْظُروا، كما يقول أحد المؤرّخين، لكلِّ التّنازلات المشينة التي تقدّمها الدّول النّامية مُقابل قروض هذا البنك.
يقول [ولْڤِنسون] الرئيس السّابق المتقاعد، إنّ هذا البنك يتعامل فقط مع الحكومات الفاسدة في الدّول النّامية التي فيها حكومات [بلُوتُوقراطية] لا ديمقراطية، فالبنكُ دمَّر الفلاحة المعيشية في [إفريقيا]، وحلّتْ مكانَها الفلاحة التّصديرية، فصارتْ بعضُ الدّول تَستورِد ما كانت تنتجه فلاحتُها، وأصبحَت تشتري غِذاءَها بقروض من البنك الدولي، وعندما تسمع محاربة الفساد، فالذين يُحاكَمون هم الفاسدون الصِّغار، وأما الفاسدون الكبار فلا تُمسُّ شَعْرةٌ منهم، وقد رأينا كيف سالمهم [بنكيران] عندما أحسَّ بقوّتهم ومدى صوْلتهِم، فقال عبارته الشهيرة: [عفا الله عما سلَف]، وبدأ يحاربُ وينفق الملايير من أموال الأمّة على الرّشوة التي لا يتعدّى قدْرُها (20 درهما)، فكان البلوتوقراطيون هم من خلعوه من السّلطة؛ والبلوتوقراطية معناها ديمقراطية أصحاب الثّروة والمال، فهم قادرون بمالهم على جعْل صناديق الاقتراع خاضعة لعدد الأوراق النّقدية لا لعدد المصوِّتين النّزهاء الذين يَنشدون تغييرًا في البلاد، والبنكُ يتعامل مع هذه اللّوبيات.
وهذا مُغنّي [الرُّوك] أعني به [بوب غِيلْدُوف] الذي كانت له أَيادٍ بيضاء في إطعام جائعي [إفريقيا] بتنظيمه مهرجانات موسيقية من أجل الجائعين، يقول بالحرف: [إنّ كل من يتعاملُ مع البنك الدّولي، لا يمكنُه أن يتقدَّمَ أو أن يحقّقَ اكتفاءً ذاتيًا أو فلاحةً مزدهرة؛ فأنا أنصح البُلدانَ الإفريقية بعدم التّعامُل مع هذا البنك المدمِّر للمجتمعات في الدول النّامية].. نحن نراه الآن كيف ينشط بانتشار وباء [كوڤيد ــ 19]، وكيف يزور البُلدان الضّحية في حرب [أوكرانيا]، لأنّ هذا البنك يعرف كيف يَستغلّ الأزمات العالمية، وهو نفسه نشأ بسبب نكبات الحروب، ولكنْ دولة واحدة تخلّصت من شروره، وتقدّمتْ وهي [ماليزيا]، فلا تتعامل معه إطلاقًا.. وسترى سياسة [أخنوش] كيف ستزداد حدّةً، واستبدادًا، وقرارات مجحفة بعدما زاره [مالْباس] رئيسُ البنك الدّولي، وسترى وتأتيكَ الأخبارُ بما جرى..
رئيسُ البنك الدّولي يَطوف على الحكومات البلُوتُوقراطية ويَفرض شروطَه
