Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

زاوية “تناغملت” بازيلال إرث عمراني جبلي أصيل يتهدده شبح الخراب

تعتبر زاوية “تناغملت” بجماعة آيت تاكلا (إقليم أزيلال)، نموذجا أصيلا للتراث العمراني الجبلي التقليدي بالمغرب، الذي يتطلب إعادة تثمينه ورد الاعتبار إليه، بهدف تعزيز مساهمته في التنمية السياحية والثقافية المحلية.

فعلى بعد ثمانية كيلومترات من شلالات أزود الشهيرة، وبين هضاب وجبال عالية وشلالات منسابة وسواق وعيون عذبة رقراقة تخترق المجال، تنتصب زاوية “تانغملت” ، التي شيدت في القرن السابع عشر الميلادي على يد الإدريسي النسب أبو عمران موسى بن يعقوب البوكمازي (نسبة لآيت بوكماز بإقليم أزيلال)، وانتظمت حولها قرية جبلية ذات طبيعية خلابة، وخصوصية عمرانية متميزة، بشكل بناياتها وبيوتاتها الطينية التقليدية المتراصة والمتداخلة ، المترامية من أسفل الهضبة إلى أعلى الجبل بشكل متلاصق، المغطاة بسقوف قصبية وخشبية، وجدران مكونة من مزيج من التراب والتبن والجير ، ومبلطة بقليل من الإسمنت.

وتتوفر هذه القرية على مخزون مهم من الموارد المائية التي تعتمد عليها ساكنة المنطقة في أنشطتها اليومية المعتادة من شرب وري لبساتينها ومزارعها الفلاحية الصغيرة، وأشجارها المثمرة خاصة الرمان والتين والزيتون ، الموجودة بكثافة في هذه المنطقة الجبلية.

واشتهرت هذه القرية بحمامها البلدي التقليدي العتيق المشيد منذ قرون، تشرف عليه الساكنة وفق أعراف قبلية تمتد لعشرات السنين، حيث تتناوب على العناية به وتسخينه كل يوم أسرة من تناغملت ، متيحة بذلك المجال أمام مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية للاستحمام فيه يوميا مجانا ، وبالتناوب بين النساء والرجال.

وعلى مدى عقود طويلة منذ تأسيسها اضطلعت زاوية تناغملت، التي كانت تضم مسجدا عتيقا مصنفا ضمن التراث الوطني وخزانة مزينة بكتب قيمة في مجال الفقه والتصوف والعلوم والفلسفة ، بأدوار دينية وعلمية وعمرانية وتربوية واجتماعية هامة، مكنت الساكنة من الاستقرار بهذه القرية ، وطلاب العلم القادمين من مختلف أنحاء المملكة من تلقي دروس وحصص في تلاوة وتجويد وحفظ القرآن الكريم والنهل من علومه ومعارفه.

ولطالما شهدت القرية أنشطة ثقافية وفنية واجتماعية واقتصادية ، حيث شكلت المواسم الصيفية والدينية مناسبة احتفالية للساكنة المحلية والقبائل المجاورة خاصة آيت عتاب وآيت بوكماز والنتيفة ، للقيام بزيارة للزاوية، محملة بمحاصيل زراعية ، ومرفوقة بفرقها الموسيقية المحلية من أحواش وعبيدات الرمى وعازفي الكمان و”الغيطة” وفرق موسيقية ترقص على إيقاعات البارود و”بوالجلود”، وشعراء أمازيغ متخصصين في المدح و الهجاء ، يجترحون لحظات انشراح ومرح وبهجة….

علاوة على ذلك كانت هذه الزيارات تشكل فرصة لتنشيط دورة اقتصادية محلية تسمح لنساء القرية بتسويق منتوجاتهن النسيجية من زرابي وأثواب محلية مصنوعة من الصوف، وتمكن الفلاحين بالمنطقة من عرض منتوجاتهم الفلاحية للزوار، مما كان يساهم في حركية اقتصادية تؤمن شروط الاستقرار الاجتماعي والإنساني.

غير أن حال هذه القرية اليوم أصبح يغني عن السؤال، حيث لم تعد تحتضن بين جنباتها سوى 600 نسمة، وتعاني من إكراهات متعددة، أبرزها هجرة ساكنتها المتواصلة، وتوقف الإشعاع الثقافي والاجتماعي والسياحي لزاويتها بسبب التصدعات الكبيرة والتشققات التي طالت جدرانها نتيجة الإهمال والخراب الذي بات يتهددها ، وشبح انهيار منازلها وبنياتها

Exit mobile version