Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

زلزال المغرب…أزال الشك عن وحدة المغاربة!

سناء البوعزاوي*
كما سبق وأن تكلمنا في مقالنا السابق عن أثر الكلمة الطيبة، والوجه البشوش، والابتسامة التي تدخل البهجة والتي هي في طيها نعمة كبيرة وصدقة نافعة، خصوصا مع المحنة التي مر منها المغاربة يوم الجمعة المنصرم والتي تجلت في ظاهرة الزلزال الذي ضرب بقوة 7 درجات على مقياس ريختر إقليم الحوز في جبال الأطلس المغربية، وأوقع 2901 قتيلا و5530 جريحا، بحسب حصيلة نشرت يوم الإثنين، حسب وزارة الداخلية. وأحدثت مأساة الزلزال الذي صنف أنه أقوى زلزال عرفه المغرب منذ قرن، سيلا هائلا ومنبعا فياضا من التعاضد والتضامن، والتكافل والتآزر، كل الكلمات لا يمكن أن تصف الحركة الجامحة التي طرأت بعد وقوع الزلزال مباشرة.
زلزال زعزع الأرض والجبال والمنازل، لكن زعزع أيضا في نفوسنا العديد من التصرفات ومراعاتها وإعادة التفكير في ما أقدمنا ومازلنا نقدم عليه، ناهيك عن الأوراق التي يجب إعادة ترتيبها وتنظيمها، هو مخاض نتج عنه لأول وهلة التضامن الكبير و التكافل الكثيف للشعب المغربي الذي أبهر العالم، بل وأبهر الشعب نفسه، لأنه لا يخفى علينا التباعد الاجتماعي الذي أصبح ملموسا ومعاشا في الآونة الأخيرة، ومتجليا حتى بين العائلة والجيران الذي له ربما أسباب عديدة ذكرناها سابقا ومن بينها وسائل التواصل الاجتماعي! لكن هاته الكارثة الطبيعية، وحدت المغاربة بشكل عجيب وكأنه جسد واحد، ما أصاب المناطق المنكوبة كأنه أصاب جميع المناطق في كامل ربوع المملكة المغربية، لا أرانا الله في مغربنا الحبيب بأسا ولا أذى، وكما يقول المثل لكل حدث حديث ففي هذا الصدد نذكر حديثا لرسول الله ﷺ “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فبات العالم يرى أن المغرب روح واحدة، وهو بالفعل كذلك، في السراء والضراء، موجات واسعة من التضامن لدى جميع الفئات من المجتمع؛ جميع المنازل وجميع البيوت وجميع الشركات والجمعيات، لا حديث منذ يوم الجمعة تاسع شتنبر 2023؛ سوى ما هي الكيفية أو الطريقة التي ستتوصل بها المناطق المتضررة، وبسرعة بالمساعدات المادية وكذا المعنوية للتخفيف عنهم، والتي حاولت أن ترمم وبسرعة الجرح الذي خلفه فقدان الأحباب والجيران والعائلة، ويكون هذا الحضور بمثابة حضن كبير يواسي الصغير قبل الكبير والضعيف والمسن وكذا الشباب الذين فقدوا أماكن عملهم، أو المواد والآليات والوسائل التي تعينهم على كسب قوت يومهم أو أصابتهم بإعاقة بسبب هذا المصاب الجلل.
وفي هذا الإطار، أعطى السدة العالية بالله، ملكنا محمد السادس نصره الله وأيده، مرفوقا بولي عهده مولاي الحسن، زوال يوم السبت تعليماته السامية، وبشكل استعجالي مواصلة عمليات الإنقاذ وإجلاء الجرحى، ومعربا حفظه الله ورعاه، عن شكره للدول الشقيقة والصديقة على تآزرها وتضامنها واستعدادها لبذل كل الجهود الممكنة ما يزيد من توثيق العلاقات السامية بين الدول. ومن جهة أخرى روحية أعطى أمير المؤمنين تعليماته لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بأداء صلاة الغائب ترحما على أرواح شهداء الزلزال في جميع مساجد ربوع المملكة، مع تنكيس الأعلام المغربية فوق جميع الإدارات العمومية للتعبير عن حداد المغرب لمدة ثلاثة أيام، عاش المغرب ملكا وشعبا ولا عاش من يحاول زعزعة استقراره وزرع الفتنة بين أفراده كنا ولا نزال وسنبقى يدا واحدة من طنجة إلى الكركارات وحبنا لملكنا حب لا مشروط، حب لمملكة اثني عشر قرنا متجذر ومتشعب لا شعب يحس بها غير الشعب المغربي، فاللهم كثر حسادنا!
لكن المنظر العجيب الغريب، في أرض العطاء والشرفاء، الذين فقدوا بيوتهم لكن لم يفقدوا قيمهم وشيمهم، أنعم الله عليهم بفضيلة السخاء والإيثار والكرم، فقد تداولت مقاطع فيديو مبكية مفرحة أبناء الدواوير المكلومة يستقبلون المتضامنين معهم بالشاي المغربي الأصيل وقطع من الخبز! إنها نعمة الضيافة التي ما فتئت تندثر في عالم العولمة، كما شهدنا ابتسامة مرسومة على محيا الأطفال الأبرياء الذين يجهل معظمهم لصغر سنهم ماذا وقع ولماذا هذا الكم الهائل من الضيوف، الذين أتت معهم الخيرات والاحتضان والاحتواء النفسي قبل المادي، فقابلوهم بكل حب وتقدير بكل بشاشة رغم الهشاشة، ونعم الأخلاق، ونعم الأدب ونعم التربية!
ونختم بآية كريمة من سورة الحشر، يقول فيها جل جلاله:
“يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” الآية 9.

*كاتبة ومختصة في التنمية الذاتية وباحثة في علم الاجتماع

Exit mobile version